مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ١ - الصفحة ١٦
محمد بن نصر القيسراني وأحمد بن منير الطرابلسي، ولهما في عماد الدين ونور الدين مدائح تقليدية ككل مدائح الشعراء في الأمراء، ليست هي التي تعنينا في حديثنا هذا، وانما الذي يعنينا هو تلك القصائد التي نظماها في الانتصارات فكانت مظاهر للملحمة العربية جديرة بالعناية والإذاعة.
والقيسراني مولود سنة 478 ومتوفى سنة 548 ه وهو منسوب إلى مدينة قيسارية على الساحل الفلسطيني، ولم يكن الشعر وحده الصفة الغالبة عليه، بل يبدو أنه كان على مشاركة حسنة ببعض العلوم حتى أن ابن عساكر سمع منه وذكره بين من ذكرهم من شيوخه. وهو ليس من موضوع كتابنا وذكرناه لعلاقته بابن منير.
والطرابلسي مولود سنة 473 ومتوفى سنة 548 ه وهو منسوب إلى طرابلس على الساحل اللبناني وهي المدينة التي عرفت في التاريخ الاسلامي باسم طرابلس الشام تمييزا لها عن طرابلس الإفريقية التي عرفت باسم طرابلس الغرب.
ونحن نرى من ذلك ان الشاعرين من منطقتين نكبتا بالاحتلال الصليبي وسقطتا في قبضة الفاتحين، فقد عانت قيسارية كما عانت طرابلس مرارة الذل، وهوان الفتح، ولكننا لا نرى في شعر الشاعرين ما يدل على تحسسهما بما كان يشكو منه بلداهما، وهذا يدلنا على أن الشاعرين سيقا إلى شعر الكفاح سوقا، ولما لم يكن لوقائع عماد الدين ثم لوقائع نور الدين صلة لا بقيسارية ولا بطرابلس بل كانت البلدتان بعيدتين عن ميدان الصراع، لذلك لم يذكرهما الشاعران ولا استجاشتهما همومهما، بل اقتصر الشاعران على ما باشره القائدان من المعارك في المناطق النائية لأن فيها المادة الوافرة لموضوع المديح، وهو الأصل في نظمهما هذا الشعر.
ولم يكن هذان الشاعران متوافقين متصافيين دائما، بل كثيرا ما تهاجيا وتشاتما، وفي أثناء ذلك قد تقوم بينهما مطارحات طريفة.
وكان الوضع قبل نهوض عماد الدين وضعا مذلا سيطر فيه الإفرنج سيطرة كاملة على البلاد الممتدة من ماردين إلى عريش مصر. ولم يكن ناجيا من ربقة الاحتلال في هذا المدى الواسع إلا المدن الأربع: حلب وحماه وحمص ودمشق.
على أن هذه المدن إذا كانت قد نجت من الاحتلال فإنها لم تنج من الهوان. فقد كان الفرنج يرسلون وفودهم إليها فارضة ما تشاء من الفروض، فضلا عما كانت عليه بقية المدن والقرى. ولعل مما يصور وضع البلاد يومذاك ما قاله صاحب كتاب (الروضتين): " وكان الفرنج قد اتسعت بلادهم وكثرت أجنادهم وعظمت هيبتهم وزادت صولتهم وامتدت إلى بلاد المسلمين أيديهم وضعف أهلها عن كف عاديهم وتتابعت غزواتهم وساموا المسلمين سوء العذاب واستطار في البلاد شر شرهم ".
ثم يزيد في وصف الحال قائلا: وكانت سراياهم تبلغ من ديار بكر إلى آمد ومن الجزيرة إلى نصيبين ورأس عين، أما أهل الرقة فقد كانوا معهم في ذل وهوان، وانقطعت الطرق إلى دمشق إلا على الرحبة والبر، ثم زاد الأمر وعظم الشر حتى جعلوا على أهل كل بلد جاورهم خراجا وأتاوة يأخذونها منهم ليكفوا أذيتهم عنهم ".
ولا يفوتنا أن نشير إلى ما كان عليه المسلمون من تشاحن وتقاتل وصراع مما كان يحول دون النهوض نهوضا يرد للأمة كرامتها وحريتها.
هذا هو حال الوطن حين كان قد استطال امر عماد الدين زنكي ورسخ سلطانه فكان أن هب لمناجزة المحتلين ومقارعتهم، ثم أخذ ينتصر عليهم انتصارات متتابعة، إذا كانت في أول أمرها هينة النتائج فإنها كانت مفتاحا للوثوب، كهذا الذي جرى حين ردهم عن حصن (شيزر) وحين فتح حصن (الأثارب) وحصن (عرقة) وحصن (بارين) ثم ضرب ضربته الكبرى بفتح مدينة (الرها).
وكانت الرها (ايدسا القديمة) محكومة من الأرمن، وبعد استيلاء الفرنج في حملتهم الأولى التي تلت حملة بطرس الناسك، على مدينة (نيقيا) سنة 1097 م ثم مدينة دوريلايوم (اسكي شهر) من السلجوقيين انفصل بلدوين اللوريني عن الجيش الصليبي الرئيسي وتقدم نحو الرها واستولى عليها بالاتفاق مع حاكمها الأرمني (توروس) سنة 1098 وانشا فيها أولى الدويلات اللاتينية. ومنها تقدم الفرنج إلى سميساط وسروج والبيرة وغيرها، فقامت لهم امارة في حوض الفرات الأعلى من مرعش في الشمال إلى منبج في الجنوب غربي الفرات، ثم تمضي شرقي الفرات فتشمل بهسنا والرها وسروج. وكان تمركز بلدوين في الرها مما أعاق القائد السلجوقي (كربوقا) أمير الموصل عن الوصول في الوقت المفيد لنجدة أنطاكية التي كان يحاصرها الجيش الصليبي الرئيسي. ثم كان قيام هذه الامارة تهديدا متواصلا للموصل وما يتبعها مثل نصيبين وماردين وحران، وكذلك لديار بكر وما إليها على أعالي نهر دجلة، بل كان تهديدا أيضا لشمال العراق كله.
وإذا كانت الرها أول دولة لاتينية تقوم، فقد كانت كذلك أول دولة لاتينية تسقط. وبين قيامها وسقوطها ست وأربعون سنة، إذ كان سقوطها بيد عماد الدين، عام 1114 م بعد حصار دام أربعة أسابيع.
وكان لفتح الرها وقع عظيم هز النفوس بالبهجة والغبطة، ولم يكن أجدر من الشاعرين أن يكونا صدى لما كان يعتمل في نفوس المسلمين من السرور وما كانت تجيش به قلوبهم من الأمال العراض. لذلك رأيناهما يسجلان هذا الفتح بشعر يمكن أن نقول أن فيه ملامح الملاحم وجوهرها، فان القيسراني يقول فيما يقول من قصيدة طويلة:
مدينة افك منذ خمسين حجة * يفل حديد الهند عنها حداده تفوت مدى الابصار حتى لو أنها * ترقت إليه خان طرفا سواده وجامحة عز الملوك قيادها * إلى أن ثناها من يعز قياده وكانت الرها حقيقة بهذا الوصف لأنها ظلت طوال ما يقرب من خمسين سنة، منذ أن عجز كربوقا عن فتحها وهو في طريقه لانقاذ أنطاكية، فأوقفه حصارها ثلاثة أسابيع بدون جدوى، وكانت هذه الأسابيع كافية لوصوله إلى أنطاكية والقضاء على الجيش الصليبي المنهوك الجائع المحطم النفس، لو أنه لم يتوقف عند الرها فيتيح بذلك للصليبيين استعادة معنوياتهم ودخول أنطاكية فلا يصل كربوقا إلا بعد سقوطها، ثم يعجز بعد ذلك عن استردادها فيكون فتحها فاتحة الشرور ومبدأ الهزائم. ظلت الرها طوال تلك المدة منيعة ومصدرا للشر، ومن هنا أوحت للقيسراني بما أوحت من وصفها ثم بتصوير الشعور الاسلامي بالانتصار عليها.
وعن ثغر هذا النصر فلتأخذ الظبا * سناها وان فات العيون اتقاده
(١٦)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 11 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة - آتش حيدر علي فيضي - آصف الدولة - إبراهيم شرارة 5
2 إبراهيم العلوي بن حسين - إبراهيم مجتهد - أبو الحسن شمس آبادي - أبو الفضل الطهراني - أحمد القزويني بن السيد حميد 10
3 أحمد آل كاشف الغطاء - السيد أحمد الخونساري - أبو العلاء المعري 12
4 أحمد بن منير الطرابلسي 15
5 إسماعيل الصفوي 18
6 أفضل الدين الكاشاني 19
7 أسامة بن منقذ - انشاء الله خان - أنيس 21
8 باقر كاشف الغطاء - باقر أمين الورد - باقر سماكة بن الشيخ محمد - باقر عبد الغني - بدران المزيدي 22
9 البرسيين - بزرك أبو الحسن علوي 23
10 تقي الشيخ راضي - توفيق الفكيكي - جابر الشكري بن عزيز - جرأت - جعفر الخليلي 24
11 جعفر همدر 25
12 جواد علوش - جون 28
13 حبيب بن محمد - حسن علي نجابت - حسين الخادمي - ابن سينا 30
14 حسين القزويني 35
15 حسين معتوق - أبو نواس الحسن بن هاني 36
16 حسن البحراني 40
17 الحسين بن نما الحلي 41
18 حيدر الآملي 42
19 حيدري - خضر المهراني - خضر الطائي - الخطاطون في العهد الصفوي 43
20 الخليل الفراهيدي 46
21 خليل مغنية 47
22 خليل ياسين 48
23 دبير - دبيس المزيدي - دعبل الخزاعي 50
24 رجل من بني ليث - ذو فقار الدولة - راضي آل ياسين 51
25 رضي ذو النوري - راغب حرب - رحيم آرباب - زاير البرسي - سبط الحسن الجايسي - سعد صالح 52
26 سعيد نفيسي - سكينة بگم - سليم حيدر 53
27 سليمان عبد الجبار - سودا - شاكر هادي شكر - شهدة - صادق شفق 56
28 صادق الفحام - صالح الشهرستاني - صدر الدين الصدر 58
29 صدر الدين شرف الدين - صدر الدين الدهلوي - صفي 59
30 الضحاك المشرفي - ضياء الدين الخالصي - ضياء الدين العراقي 60
31 طاهر بن يحيى - طه باقر - الطفيل - طلائع بن رزيك 61
32 ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي 62
33 ظالم بن شراق - عابس الشاكري - العباسيون 64
34 عارف الحر 79
35 عباس اقبال 80
36 عباس أبو الحسن 81
37 عباس القمي - عباس الشيرازي - عباس القرشي 82
38 عباس الهمداني 83
39 عبد الحسين دست غيب - عبد الحسين الأميني - عبد الحسين الحلي 84
40 عبد الحسين نور الدين 85
41 عبد الرؤوف الأمين 86
42 عبد الرضا صادق 89
43 عبد الرضا المطبعي - عبد العزيز بن البراج 91
44 عبد الصاحب الحكيم - عبد الكريم الخليل 97
45 عبد الكريم بن طاووس - عبد الكريم الهاشمي - عبد الله الجزائري 100
46 عبد الله التستري - عبد الله الشيرازي - عبد الله الكلبي - عبد الله الطائي 101
47 عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان - عبد الله أحمديه 102
48 عبد الله الشيرازي - عبد الله الصائغ 103
49 عبد الله بن سلمة - عبيد الله الكوفي - عبد المطلب الحلي 106
50 عبد المطلب الأمين 107
51 عبد المهدي مطر 112
52 عبد الله الجعفي - علي إبراهيم 115
53 علي رضا عباسي 117
54 علي أكبر دهخدا 119
55 علي أكبر نواب - علي الأنصاري الشيرازي - سيف الدولة علي بن حمدان 121
56 علي بن عبد الله بن العباس - علي البحراني - علي النوري 124
57 علي آل شبانة - علي البهبهاني - علي الشيرازي 125
58 علي بن الحسن شميم الحلي 126
59 علي بن حمدون - علي المراغي - علي الهمذاني 127
60 علي الميبدي - علي الخياباني - علي الأبزري - علي نياز - عطية الكوفي - عمرو الأنصاري - عمر الصيداوي - غالب 128
61 غلام رضا سرخي - فاضل الجمالي 129
62 فؤاد عباس 148
63 فتى من أهل الكوفة - الفضل بن جعفر - الفضل بن الزبير الكوفي 149
64 القاسم بن معية - القاسم بن مظاهر - قيس النابغة الجعدي 154
65 قيس النجاشي - كليب الجرمي - الكميت 155
66 لطف الله العاملي 160
67 لطف الله البحراني - ماجد الصادقي - عضد الدين المبارك الأسدي 162
68 مجيد العطار 163
69 محمد بن أبي بكر الهمذاني - محسن جمال الدين - محسن الموسوي - محمد أبو نصر الفارابي 164
70 محمد أبو النديم 174
71 محمد بن إدريس الحلي 178
72 محمد باقر - محمد حسين الكازروني - محمد الحسيني - محمد المتخلص - محمد الشيرازي - محمد معصوم - محمد الكازروني الطبيب - محمد الدهدار الشيرازي - محمد نصير الدين 179
73 محمد مهدي حجاب الشيرازي - محمد بن يوسف الشيرازي - محمد بن الحسين الشيخ البهائي 180
74 محمد الغفاري كمال الملك 181
75 محمد باقر الدهلوي - محمد صادق بحر العلوم - محمد بهشتي 183
76 محمد تقي بهار 184
77 محمد الحجة - محمد جمال الهاشمي 185
78 محمد حرز الدين - محمد الخليلي 186
79 محمد حسن الحكيم 187
80 محمد أبو جعفر الطوسي 188
81 محمد تقي الآملي 199
82 محمد جواد باهنر - محمد حسين آزاد - محمد الطباطبائي - محمد رضا الشبيبي 200
83 محمد رضا القمي - محمد شريف خان - محمد مفتح - محمد بن الأبار 204
84 محمد الشويكي 205
85 محمد شرارة 206
86 محمد حسين الشهرستاني 210
87 محمد صادق نشأت - محمد رضا شرف الدين 211
88 محمد آل شبانة - محمد صدوقي 212
89 محمد الأردوبادي - محمد علي بري - محمد الشيباني 213
90 محمد علي خاتون - محمد الصاحبي - محمد الجزائري - محمد المدرسي 218
91 محمد المعصومي - محمد بن طباطبا - محمد جواد - محمد ناصر 219
92 محمد علي اليعقوبي 221
93 محمد بن عمر الكشي - محمد قسام - محمد قطب شاه 222
94 محمد قلي قطب شاه - دول الهند الشيعية - محمد كال شعيب 223
95 محمد المقدادي القمي 225
96 محمد بن المبارك الكرخي - محمد نصير الدين الطوسي 228
97 محمد بن مكي الشهيد الأول - محمد الجبي 237
98 محمد هاشم الأشكوري 240
99 محمد بن هاني الأندلسي 241
100 محمد يوسف مقلد 243
101 محمد بن المبارك الكرخي 244
102 محمد مهدي البصير 245
103 محمود بن الياس الشيرازي - محمود الحبوبي 246
104 محمود الحمصي 249
105 محمود الشاهرودي - محمود الطالقاني - محمود بن مسعود الشيرازي - محيي الدين شمس الدين 250
106 مرتضى مطهري - مزيد المزيدي - مصطفى جواد 252
107 معاذ بن مسلم الهراء - المقداد السيوري - مهيار الديلمي 253
108 موسى الزين شرارة 268
109 موسى سيار الشيرازي - مير أمين - مير حسن - مير آبادي 270
110 ناسخ - ناصر الدين الشيخ راشد - نصر الخبز أرزي 271
111 نصير الدين ناصر العلوكي 272
112 ناصيف النصار 274
113 نصر بن علي الحلي - نصير الدين المنازي - نظير - نواب صفوي 280
114 النوار ابنة مالك - هادي النحوي - هادي كمال الدين - هاشم معروف الحسني 283
115 هبة الله بن علي - ابن الشجري 284
116 ورام الحلي - يحيى القرشي - يزدن التركي 285
117 يزيد بن قيس - يزيد بن زياد الكندي - يزيد بن مفرغ 286
118 يحيى بن البطريق 289
119 يعقوب بن داود 290
120 يوسف بن المطهر - يوسف رجيب - يونس الأردبيلي - الأمويون والإسلام والعروبة 291
121 الشيعة يحمون العالم الإسلامي 296
122 الحجاج بن يوسف 299
123 كلمة الختام 301