مستدركات أعيان الشيعة - حسن الأمين - ج ١ - الصفحة ١٧
وفتح حديث في السماع حديثه * شهي إلى يوم المعاد معاده أراح قلوبا طرن من وكناتها * عليها فوافى كل صدر فؤاده فيا ظفرا عم البلاد صلاحه * بمن كان قد عم البلاد فساده ثم بما أحيا هذا النصر من الآمال البعيدة:
ولله عزم ماء " سيحان " ورده * وروضة " قسطنطينية " مستراده ومطلع هذه القصيدة:
هو السيف لا يعنيك إلا جلاده * وهل طوق الأملاك إلا نجاده وهو مطلع خارج عن الأسلوب التقليدي الذي كان يفتتح القصائد بالغزل، وانما هو مطلع مستمد من روح الملحمة متأثر بجوهرها، وهكذا بقية المديح في القصيدة، فقد خرج عن كونه تعدادا لفضائل ابتذل تعدادها في كل ممدوح، بل هو وصف لكفاح قاده الممدوح و حقق الظفر فيه، وتعبير عن آمال مكبوتة، وهذا كله يعود إلى جذور الملاحم و أصولها.
وهذا عين ما نراه عند ابن منير الذي قال من قصيدة طويلة:
والرها ان لم تكن إلا الرها * لكفت حسما لشك الممترين هم " قسطنطين " ان يفرعها * ومضى لم يحومنها قسط طين ولكم من ملك حاولها * فتحلى الحين وشما في الجبين ثم ينتقل إلى الحديث عن نتائج فتحها وأثر هذا الفتح عند الفريقين:
ان حمت (مصر) فقد قام لها * واضح البرهان ان (الصين) صين برنست رأس " برنس " (1) ذلة * بعد ما جاست حوايا " جوسلين " (2) " وسروج " مذ وعت اسراجه * فرقت جماعها عنها عضين تلك اقفال رماها الله من * عزمه الماضي بخير الفاتحين سل بها " حران " كم حرى سقت * بردا من يوم ردت " ماردين " سمطت أمس " سميساط " بها * نظم جيش مبهج للناظرين وغدا يلقى على " القدس " لها * كلكل يدرسها درس الدرين ويموت عماد الدين اغتيالا ويليه ابنه نور الدين ويستطيع السيطرة على رقعة ممتدة من أعالي دجلة شمالا إلى منابع الأردن جنوبا، ويكون الشاعران له كما كانا لأبيه، ويصطدم نور الدين بالفرنج ويفوز عليهم في معركة " أنب " ويقتل " البرنس " صاحب أنطاكية في المعركة، وتتحقق بشارة ابن منير المتقدمة " ويتبرنس " رأس " البرنس " لا بالذلة وحدها بل بالمنية، وهكذا نرى كم كان ذلك الشعر صدى للوجدان العربي والضمير الاسلامي في تخيل الآمال البعيدة والتلهف على المطامح القصية. فقد كان " البرنس " كما يقول ابن الأثير:
" عاتيا من عتاة الفرنج " وكان الخلاص منه احدى أكبر الأمنيات.
وقد رأينا كيف ان القيسراني كان يلوح في قصيدته الدالية لا بالخلاص في الوطن فحسب بل بالنفاذ حتى إلى القسطنطينية:
ولله عزم ماء سيحان ورده وروضة قسطنطينية مستراده كما لوح ابن منير بالنصر على البرنس ثم بالنفاذ إلى القدس:
وغدا يلقي على القدس لها * كلكل يدرسها درس الدرين وتتالت بعد الرها المراحل المرجوة مرحلة مرحلة وستظل تتوالى ولكن دون ان يقدر للشاعرين أن يعيشا ليريا تواليها، إذ انهما ماتا قبل نور الدين.
واستأثرت معركة أنب ومقتل البرنس بشاعرية الشاعرين وقفزت بالمطامح من القدس والقسطنطينية إلى روما نفسها فقال لقيسراني من قصيدة طويلة جرى فيها على ما جرى عليه في القصيدة الدالية من الافتتاح بالشعر العسكري لا الغزلي:
مذي العزائم لا ما تدعي القضب * وذي المكارم لا ما قالت الكتب وهذه الهمم اللاتي متى خطبت * تعثرت خلفها الأشعار والخطب وفيها يقول:
أغرت سيوفك بالإفرنج راجفة * فؤاد رومية الكبرى لها يجب قل للطغاة وان صمت مسامعها * قولا لصم القنا في ذكره أرب أغركم خدعة الآمال ظنكم * كم اسلم الجهل ظنا غره الكذب أجسادهم في ثياب من دمائهم * مسلوبة، وكأن القوم ما سلبوا انباء ملحمة لو أنها ذكرت * فيما مضى نسيت أيامها العرب فملكوا سلب " الابرنس " قاتله * وهل له غير " أنطاكية " سلب فانهض إلى المسجد الأقصى بذي لجب * يوليك أقصى المنى فالقدس مرتقب ونحن نلمس في هذا الشعر شيئا فوق المدح. اننا نلمس احساسا متأججا يثيره الذل الذي استحال عزا والهوان الذي عاد فتحا، اننا نسمع أهازيج النصر راعدة مدوية وهتافات الظفر صارخة متوعدة تزري بالغاصبين وتدل إلى هلعهم وتتغنى بالراجفة التي وجب لها حتى قلب (رومية الكبرى) القصية، ويجئ ذكر روما هنا طبيعيا سائغا، لا نبو فيه ولا دلالة تبجح فارع مستكره.
ثم هذه الإشارة إلى الخطوة التالية المأمولة إلى (سلب الابرنس)، هذا السلب الذي يسمو عن المادة ومغرياتها، ان السلب في هذا الصراع الرهيب هو أغلى ما ملك (البرنس) وقوم البرنس: " هو أنطاكية " التي كان سقوطها فاتحة السقوط العام وسيكون نهوضها فاتحة النهوض العام ثم الطريق إلى المسجد الأقصى بالجيش الهادر المزمجر ذي اللجب، فالقدس ترتقب أهلها وتنتظرهم.
اننا نرى في هذا الشعر، الشعب كله ينطلق في صوت واحد وشعار واحد: إلى الأمام، إلى أنطاكية، إلى القدس...
ينطلق بذلك لا غرورا وغباء، وجهلا، بل يقينا وعقلا وتفهما.
ويقول ابن منير من قصيدة طويلة افتتحها كزميله، لا بالغزل بل بما يناسب حالة الكفاح التي كانت فيها البلاد:
أقوى الضلال وأقفرت عرصاته * وعلا الهدى وتبلجت قسماته فتح تعممت السماء بفخره * وهفت على أغصانها عذباته وسقى " البرنس " وقد تبرنس ذلة * بالروح ممقر ما جنت غدراته تمشي القناة برأسه وهو الذي * نظمت مدار النيرين قناته وتتابع الفتوح ويلي النصر النصر فينطلق ابن منير حاملا في قصيدة واحدة قصص الأحداث متنقلا من مكان إلى مكان:
أعدت بعصرك هذا الأنيق * فتوح النبي واعصارها فجددت اسلام " سلمانها " * وعمر جدك " عمارها "

(1) هو أميز أنطاكية يومذاك.
(2) هو جوسلين الثاني أمير الرها.
(١٧)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 12 13 14 15 16 17 18 19 20 21 22 ... » »»
الفهرست
الرقم العنوان الصفحة
1 المقدمة - آتش حيدر علي فيضي - آصف الدولة - إبراهيم شرارة 5
2 إبراهيم العلوي بن حسين - إبراهيم مجتهد - أبو الحسن شمس آبادي - أبو الفضل الطهراني - أحمد القزويني بن السيد حميد 10
3 أحمد آل كاشف الغطاء - السيد أحمد الخونساري - أبو العلاء المعري 12
4 أحمد بن منير الطرابلسي 15
5 إسماعيل الصفوي 18
6 أفضل الدين الكاشاني 19
7 أسامة بن منقذ - انشاء الله خان - أنيس 21
8 باقر كاشف الغطاء - باقر أمين الورد - باقر سماكة بن الشيخ محمد - باقر عبد الغني - بدران المزيدي 22
9 البرسيين - بزرك أبو الحسن علوي 23
10 تقي الشيخ راضي - توفيق الفكيكي - جابر الشكري بن عزيز - جرأت - جعفر الخليلي 24
11 جعفر همدر 25
12 جواد علوش - جون 28
13 حبيب بن محمد - حسن علي نجابت - حسين الخادمي - ابن سينا 30
14 حسين القزويني 35
15 حسين معتوق - أبو نواس الحسن بن هاني 36
16 حسن البحراني 40
17 الحسين بن نما الحلي 41
18 حيدر الآملي 42
19 حيدري - خضر المهراني - خضر الطائي - الخطاطون في العهد الصفوي 43
20 الخليل الفراهيدي 46
21 خليل مغنية 47
22 خليل ياسين 48
23 دبير - دبيس المزيدي - دعبل الخزاعي 50
24 رجل من بني ليث - ذو فقار الدولة - راضي آل ياسين 51
25 رضي ذو النوري - راغب حرب - رحيم آرباب - زاير البرسي - سبط الحسن الجايسي - سعد صالح 52
26 سعيد نفيسي - سكينة بگم - سليم حيدر 53
27 سليمان عبد الجبار - سودا - شاكر هادي شكر - شهدة - صادق شفق 56
28 صادق الفحام - صالح الشهرستاني - صدر الدين الصدر 58
29 صدر الدين شرف الدين - صدر الدين الدهلوي - صفي 59
30 الضحاك المشرفي - ضياء الدين الخالصي - ضياء الدين العراقي 60
31 طاهر بن يحيى - طه باقر - الطفيل - طلائع بن رزيك 61
32 ظالم بن عمرو أبو الأسود الدؤلي 62
33 ظالم بن شراق - عابس الشاكري - العباسيون 64
34 عارف الحر 79
35 عباس اقبال 80
36 عباس أبو الحسن 81
37 عباس القمي - عباس الشيرازي - عباس القرشي 82
38 عباس الهمداني 83
39 عبد الحسين دست غيب - عبد الحسين الأميني - عبد الحسين الحلي 84
40 عبد الحسين نور الدين 85
41 عبد الرؤوف الأمين 86
42 عبد الرضا صادق 89
43 عبد الرضا المطبعي - عبد العزيز بن البراج 91
44 عبد الصاحب الحكيم - عبد الكريم الخليل 97
45 عبد الكريم بن طاووس - عبد الكريم الهاشمي - عبد الله الجزائري 100
46 عبد الله التستري - عبد الله الشيرازي - عبد الله الكلبي - عبد الله الطائي 101
47 عبد الله وعبد الرحمن الغفاريان - عبد الله أحمديه 102
48 عبد الله الشيرازي - عبد الله الصائغ 103
49 عبد الله بن سلمة - عبيد الله الكوفي - عبد المطلب الحلي 106
50 عبد المطلب الأمين 107
51 عبد المهدي مطر 112
52 عبد الله الجعفي - علي إبراهيم 115
53 علي رضا عباسي 117
54 علي أكبر دهخدا 119
55 علي أكبر نواب - علي الأنصاري الشيرازي - سيف الدولة علي بن حمدان 121
56 علي بن عبد الله بن العباس - علي البحراني - علي النوري 124
57 علي آل شبانة - علي البهبهاني - علي الشيرازي 125
58 علي بن الحسن شميم الحلي 126
59 علي بن حمدون - علي المراغي - علي الهمذاني 127
60 علي الميبدي - علي الخياباني - علي الأبزري - علي نياز - عطية الكوفي - عمرو الأنصاري - عمر الصيداوي - غالب 128
61 غلام رضا سرخي - فاضل الجمالي 129
62 فؤاد عباس 148
63 فتى من أهل الكوفة - الفضل بن جعفر - الفضل بن الزبير الكوفي 149
64 القاسم بن معية - القاسم بن مظاهر - قيس النابغة الجعدي 154
65 قيس النجاشي - كليب الجرمي - الكميت 155
66 لطف الله العاملي 160
67 لطف الله البحراني - ماجد الصادقي - عضد الدين المبارك الأسدي 162
68 مجيد العطار 163
69 محمد بن أبي بكر الهمذاني - محسن جمال الدين - محسن الموسوي - محمد أبو نصر الفارابي 164
70 محمد أبو النديم 174
71 محمد بن إدريس الحلي 178
72 محمد باقر - محمد حسين الكازروني - محمد الحسيني - محمد المتخلص - محمد الشيرازي - محمد معصوم - محمد الكازروني الطبيب - محمد الدهدار الشيرازي - محمد نصير الدين 179
73 محمد مهدي حجاب الشيرازي - محمد بن يوسف الشيرازي - محمد بن الحسين الشيخ البهائي 180
74 محمد الغفاري كمال الملك 181
75 محمد باقر الدهلوي - محمد صادق بحر العلوم - محمد بهشتي 183
76 محمد تقي بهار 184
77 محمد الحجة - محمد جمال الهاشمي 185
78 محمد حرز الدين - محمد الخليلي 186
79 محمد حسن الحكيم 187
80 محمد أبو جعفر الطوسي 188
81 محمد تقي الآملي 199
82 محمد جواد باهنر - محمد حسين آزاد - محمد الطباطبائي - محمد رضا الشبيبي 200
83 محمد رضا القمي - محمد شريف خان - محمد مفتح - محمد بن الأبار 204
84 محمد الشويكي 205
85 محمد شرارة 206
86 محمد حسين الشهرستاني 210
87 محمد صادق نشأت - محمد رضا شرف الدين 211
88 محمد آل شبانة - محمد صدوقي 212
89 محمد الأردوبادي - محمد علي بري - محمد الشيباني 213
90 محمد علي خاتون - محمد الصاحبي - محمد الجزائري - محمد المدرسي 218
91 محمد المعصومي - محمد بن طباطبا - محمد جواد - محمد ناصر 219
92 محمد علي اليعقوبي 221
93 محمد بن عمر الكشي - محمد قسام - محمد قطب شاه 222
94 محمد قلي قطب شاه - دول الهند الشيعية - محمد كال شعيب 223
95 محمد المقدادي القمي 225
96 محمد بن المبارك الكرخي - محمد نصير الدين الطوسي 228
97 محمد بن مكي الشهيد الأول - محمد الجبي 237
98 محمد هاشم الأشكوري 240
99 محمد بن هاني الأندلسي 241
100 محمد يوسف مقلد 243
101 محمد بن المبارك الكرخي 244
102 محمد مهدي البصير 245
103 محمود بن الياس الشيرازي - محمود الحبوبي 246
104 محمود الحمصي 249
105 محمود الشاهرودي - محمود الطالقاني - محمود بن مسعود الشيرازي - محيي الدين شمس الدين 250
106 مرتضى مطهري - مزيد المزيدي - مصطفى جواد 252
107 معاذ بن مسلم الهراء - المقداد السيوري - مهيار الديلمي 253
108 موسى الزين شرارة 268
109 موسى سيار الشيرازي - مير أمين - مير حسن - مير آبادي 270
110 ناسخ - ناصر الدين الشيخ راشد - نصر الخبز أرزي 271
111 نصير الدين ناصر العلوكي 272
112 ناصيف النصار 274
113 نصر بن علي الحلي - نصير الدين المنازي - نظير - نواب صفوي 280
114 النوار ابنة مالك - هادي النحوي - هادي كمال الدين - هاشم معروف الحسني 283
115 هبة الله بن علي - ابن الشجري 284
116 ورام الحلي - يحيى القرشي - يزدن التركي 285
117 يزيد بن قيس - يزيد بن زياد الكندي - يزيد بن مفرغ 286
118 يحيى بن البطريق 289
119 يعقوب بن داود 290
120 يوسف بن المطهر - يوسف رجيب - يونس الأردبيلي - الأمويون والإسلام والعروبة 291
121 الشيعة يحمون العالم الإسلامي 296
122 الحجاج بن يوسف 299
123 كلمة الختام 301