حيث الغداء هناك كان مرتبا * من كل صنف جيد فتان أما أنا فالجوع مزق معدتي * (والتتن) (1) أتلف مهجتي وضناني هذا أخوك وفعله فأحكم به * يا صاحب الإنصاف والوجدان الله يعلم إنني متشوق * لزيارة الأحباب والخلان وأود أني دائما في حيهم * يا حبذا لو كان بالإمكان أما الحقير فإنني في (حارة) * معمورة بتزاحم الضيفان أنسي مجلات الحقوق ومرشد * ورواية وجريدة الأفغاني كتبي أطالعها وأصبح ماشيا * مستأنسا لإدارة (العرفان) إني لأذكر، بكل سويعة * يا من نأوا عني إلى (شقران) (2) هذا ودموا في هناء دائم * ومسرة وتألف وأمان وإذا أردت بأن تجارب فليكن * إرساله بتوسط (العرفان) (3) فأجابه السيد جعفر بهذه القصيدة:
يا شيخ جعفر آل همدر الذي * اشتهر اسمه بالعالي اللبناني بعد السلام وبعد (نفخك) ساعة * أشكو إليك لواعج الأشجان وأقول من فرط التشوق والهوى * قد صرت أنحف من قضيب البان نصفي إلى الزنار في (صرمايتي) * وبداخل الطربوش نصفي الثاني لو كان عزرائيل يعلم موضعي * لزيارة الفردوس كان دعاني ولكنت في ذا الحين أرتع في السما * متمتعا بالحور والولدان ولو أن كل الشوق مثل تشوقي * لأتى به التحريم في القرآن وكأنه لم يكف ما بي ربنا * حتى ابتلاني في هوى الإخوان مع ذاك أحمده فلو لا لطفه * لخسرت أيضا (طابقي الفوقاني) قد لا تصدق ذا وتحسب أنه * عن قلة أو عارض جسماني فاسأل فعندي صحة لم يحوها * لا جسم إنسان ولا حيوان وانظر إلى شغلي تجده بأنه * من عند عشي إلى حلواني كيف اتجهت وكيف سرت فدائما * ترنو إلي لواحظ النسوان ويقلن من هذا هو أعرب؟ * ويحطنني من أعين الشيطان وترى جيوبي دائما ملآنة * لا يخلو منها القرش والقرشان مهما طلبت تجده عندي حاضرا * ولو أنه من أرض هندستان لو كنت أنت وحق ربك موضعي * لغدوت مثل دعائم الحيطان ولكان ساوى عرض خصرك طولها * بين الحذاء ومنتهى الآذان هل بعد هذا لا تزال مشككا * يا صاحب الإيمان والوجدان فاحكم ويقن أن ما بي كله * متسبب من حبك الروحاني خبر صديقك كيف أنت فإنه * نهب الأسى والوجد منذ زمان يقضي الليالي ساهرا متحرفا * فكأنه يقلى على النيران من أجل تحرير يكلف آنه * يا ضيعة الأصحاب والخلان وتنام لا يلهيك عن طيب الكرى * ما يعتري النائين من أحزان أترى يجوز بدين إبليس كذا * أم يا ترى بديانة الرحمان فعسى تكون كما أروم وأشتهي * من صحة في الجسم (والجزدان) وتكون في أنس تروح وتغتدي * وجميع أهل البيت في اطمئنان وتكون تدعى بعد اسمك وحده * بأبي فلان أو أبي (فليتان) أما أنا فلقد غدوت معلما * بقيادتي تجيش من الصبيان الحال أحسن إنما أخشى على * عقلي من التخريب والنقصان وأخاف من بعد التأستذ في غد * أن أغد تلميذا بمارستان لكنني راض لأن خسارتي * في خدمة الأهلين والأوطان فغدا سأتحفهم وأعلي شأنهم * بالراعي والزبان والطحان الوقت ضاق وفي ذكاك كفاية * وعن الكتاب عسى يقوم لساني ولو أنني أبديت كل خواطري * لم يكفني إذ ذاك ماعونان (4) فأسلم ودم في غبطة وهناءة * لأخيك جعفر الأقل الجاني ومن طرائفه قوله وهو في بغداد:
بينا أنا في السوق (5) أمشي جائعا * متحيرا ماذا يكون طعامي فإذا بد كان عليه قطعة * مكتوبة: (هذا محل الشامي) أقبلت أسرع نحوه في مشيتي * والغيد تمشي كالظباء أمامي وسألت صاحبه أجاب مرحبا * شرف تجد أنواع كل طعام إن كان عندك حمص فائت به * فهو الشفاء لعلتي وسقامي لله در (اوتيله) وطعامه * حيث النظافة مع جميل نظام ومن ذلك قوله وهو في (الخرطوم) وقد خرج ليلا ليشتري سكرا وشايا فبدا للبائع من بعض ملامحه أنه إنكليزي لا عربي، وكان بين الإنكليز والسودانيين يومذاك مشاكل، فأخذ البائع يتحداه فارتجل له هذه الأبيات:
ذهبت للسوق كيما * أشتري شايا وسكر قلت للبائع زن لي منه * رطين فأكثر قال أهلا سهلا * يا خواجة أنت (مستر) قلت والقلب من الآلام * حزنا قد تفطر لست والله بمستر * إنما اسمي جعفر وأبي شيخ وإني * مسلم والله أكبر وقال:
إن الرياضة فن * من الفنون الجميلة لا شئ أحسن منه * إلى الجسوم العليله إن رمت تبقى صحيحا * منعما في الحياة وأن تكون سعيدا * يا صاح حنى الممات فائت بكل خميس * لهذه (الفلوات) والعب قليلا وحرك * بلعبك العضلات رياضة باعتدال * تزيل كل عناء سل المجرب عنها * وسائر الحكماء فكم رأيت مصابا * بعلة وبداء لما تريض أضحى * في صحة وهناء وفيما يلي مقال نشرته مجلة (العرفان) في الجزء الثاني من المجلد الثالث والعشرين (ص 311) لكاتب نجفي يداعب فيه بعض طلاب العلم العامليين في النجف فيه ذكر للمترجم نأخذه هنا لتسجيل صورة من صور الحياة العلمية العاملية في النجف التي زالت فيما زال، وأصبحت جزأ من الماضي الذاهب:
في الناحية الغربية من نواحي النجف الأشرف إذا وصلت إلى خارج المدينة تطل على نخيلات هناك تبعد عن المدينة مقدار ميل تقريبا... تصل إلى ذلك المكان ثم تتابع السير ما يقرب من نصف ميل فتلتقي بساقية صغيرة تنحدر من نهر الفرات وتسقي قسما ضئيلا من تلك الأراضي بعد ما تملي عليها نشيدا يشبه برقته وعذوبته عذوبة أناشيد هاتيك الفتيات الريفيات الصغيرات اللواتي يقصدن تلك الساقية ويحملن جرارهن لكي يملأنها ويعدن إلى