الأمر بالشئ يقتضي النهي عن الضد، وفرض المسألة على تقدير عدم القول بذلك، ومن الواضح أنه بناء على ذلك لا يرجع حاصل المقام إلى ذلك، ضرورة كونه غير مأمور إلا بحفظ النفس ودفع الضرر عنها، والفرض أنه توقف الآن على إبطال الصلاة فمع عصيانه بذلك لم يترك من الصلاة شرطا ولا فعل فيها مانعا، فلا جهة حينئذ إلا الصحة كما في سائر ما كان من هذا القبيل، كترك إنفاد الغريق وإطفاء الحريق وغيرهما مما هو متوقف على فعل ما ينافي الصلاة من فعل كثير أو التفات أو نحوهما، بل الظاهر أنه كذلك حتى لو كان المأمور به نفس الحدث لا ما كان مستلزما للحدث كالأمثلة السابقة، فتصح صلاته مثلا وإن عصى بترك المأمور به بناء على عدم اقتضاء النهي عن الضد، ولعل من ذلك العاصي بترك وطي زوجته بعد الأربعة أشهر لو صلى حال خطابه به، والزوجة الناشزة لنحو ذلك أيضا لو صلت كذلك، وليس في ذلك تناف بين الخطابين ولا قبح في التكليفين، نعم لو أمر بالصلاة وأمر بالمانع فيها اتجه ذلك، وليس ما هنا من هذا القبيل، ضرورة كون الأمر بوطي الزوجة لا وطئها في أثناء الصلاة وإنما اختار المكلف العصيان في ذلك الأمر والاتيان بهذا الأمر كإزالة النجاسة عن المسجد وغيرها من الأوامر المضيقة التي يعدل عنها إلى أضدادها من الصلاة وغيرها، فالتحقيق حينئذ بناء المسألة على تلك المسألة من غير فرق بين الأمر بمستلزم المانع وبين المانع نفسه، إذ الأول إنما كان ضدا باعتبار استلزامه المانع، بل لولا الفرق الذي ذكرناه بين الصوم وغيره أمكن دعوى انحصار البطلان فيه على القول بالضد أيضا، بل قد يحتمل ذلك على تقدير الفرق المزبور أيضا، فيقال: إنه لا مانع من نية التقرب بالصوم وإن كان مخاطبا بالقئ والجنابة ونحوهما، لكن ليس في الصوم حتى يتنافا الخطابان، بل هو إنما خوطب بهما في حد ذاتهما، فإذا فرضنا العصيان
(٨٨)