يرجع ما في كشف اللثام والمحكي عن الموجز وحاشية الإرشاد والميسية من أن المفسد من البكاء ما اشتمل على النحيب وإن خفي، لا فيض الدمع بلا صوت، قال في الكشف:
" ويرشد إليه كلام ابن زهرة، إذ جعله من الفعل الكثير " قلت: قد سمعت ما في الذكرى أيضا، بل يمكن تحصيل الشهرة عليه أو الاجماع بناء على قراءة عبارات الأصحاب " والبكاء " بالمد كالمتن، للمحكي من تصريح غير واحد من أهل اللغة بالفرق بينه ممدودا ومقصورا، قال في الصحاح ومجمع البحرين: " البكاء يمد ويقصر، فإذا مددت أردت الصوت الذي يكون مع البكاء، وإذا قصرت أردت الدموع وخروجها " وفي المجمل " قال قوم: إذا دمعت العين فهو مقصور، وإذا كان ثم نشيج وصياح فهو ممدود " وفي المقاييس " قال النحويون: من قصره أجراه مجرى الأدواء والأمراض، ومن مدة أجراه مجرى الأصوات كالثغاء والدعاء والرغاء " وقال نشوان بن سعيد في شمس العلوم: " قال الخليل: إذا قصرت البكاء فهو بمعنى الحزن أي ليس معه صوت، وإذا كان معه نشيج وصياح فهو ممدود " وقال الراغب: " بالمد سيلان الدمع على حزن وعويل يقال: إذا كان الصوت أغلب كالرغاء والثغاء وسائر هذه الأبنية الموضوعة للصوت، وبالقصر يقال: إذا كان الحزن أغلب " إلى غير ذلك مما هو ظاهر في الفرق بينهما، وربما يستفاد المراد بالممدود من قول الرضي في مرثية الحسين (عليه السلام):
يا جد لا زالت كتائب حسرة * تغشي الفؤاد بكرها وطرادها أبدا عليك وأدمع مسفوحة * إن لم يراوحها البكاء يغادها لكن قد يقال: أولا نمنع أنه ممدود في النص والفتوى، إذ من المحتمل أنه مقصور فيهما، ولا نسخ مضبوطة بحيث تقطع النزاع لكل منهما، لمعروفية تسامح النساخ في ذلك، وثانيا إن لفظ البكاء في النص موجود في السؤال الذي لا يبني عليه الحكم بعد أن كان الفعل في الجواب، وهو مطلق شامل لكل من الحالين بخلاف المصدر،