بل لعل ذلك الاطلاق الذي قد عرفت أن المراد منه البطلان مع الترك أصلا على حسب قولهم: السجود ركن أولى من ذلك، لسلامته عن المناقشة بأن القيام وإن طال فرد واحد للطبيعة، والآتي بأعلى الأفراد منه ليس ممتثلا إلا امتثالا واحدا، فكيف يجوز اختلافه في الوجوبية والندبية، والوجوبية والركنية من دون مقتض، نعم ليس هو واحدا بسيطا لا يجوز للشارع إيجابه وندبه، بل هو مركب ذو أجزاء يجوز للشارع أن يفرق بين أجزائه في ذلك، لكن ليس في القيام إلا أمر بطبيعة وأمر بالقراءة مثلا حاله وندب للقنوت، وهذا لا يقتضي ندبية القيام، ضرورة أنه لا منافاة بين وجوب القيام وندب نفس الفعل كما في الدعاء حال الوقوف بعرفة مثلا، وجواز ترك القيام المقارن للقنوت بترك القنوت معه لا يقتضي الندب أيضا بعد أن كان الترك إلى بدل، وهو الفرد الآخر من القيام الذي هو أقصر من هذا الفرد مثلا، كما هو شأن سائر الواجبات التخييرية، بل يمكن أن يقال: إنه لا جزء مندوب في الصلاة أصلا، ومرجع الجميع إلى أفضل أفراد الواجب التخييري، وإلا فلا يتصور انتزاع كليات هذه الأجزاء وتسميتها باسم الصلاة وجعلها متعلقة الأمر الوجوبي مع ندبية بعض الأجزاء، مع أن الأمر إذا تعلق بكل جرى إلى أجزائه قطعا، ولذا لا يجوز مخالفة حكم الأجزاء للجملة كما هو واضح، فمعنى ندبية القنوت حينئذ أن له تركه والعدول إلى فرد آخر من أفراد الصلاة، إذ الصلاة اسم جنس تحته أنواع مختلفة، وكلها مورد للامتثال، إلا أن الأفضل اختيار النوع المشتمل على القنوت ونحوه ودعوى أن القنوت ونحوه من الأجزاء المندوبة أجزاء للفرد لا أجزاء لمسمى الاسم، وإن أطلق فهو من التسامحات يدفعها فرض البحث في كون ذلك وأمثاله من أجزاء مسمى الاسم حقيقة، لا الفرد الذي لا يطلق عليه الاسم إلا باعتبار حلول الطبيعة فيه، فتأمل جيدا.
(٢٤٣)