بل عدوه من جملة الخرافات قائلين: إن النية هي الداعي لا هذا الاخطار الذي هو حديث فكري ومثارة للوسواس في قلوب أكثر الناس، خصوصا بعد ما تسمعه من الأقوال في اعتبار مقارنة النية للتكبير بخلافه على القول بالداعي، ولذا قال راجزهم:
ويلزم اقترانها بالداعي * والخطب سهل فيه ذو اتساع ولا كذاك الأمر في الاخطار * فهو مع الضيق على أخطار لكن ربما كان نوع غموض في المراد من الداعي في كلامهم، وربما انساق إلى الذهن منه العلة الغائية، وكون النية عبارة عنها كما ترى، والظاهر أن مرادهم به الإرادة المسماة بالباعث في لسان الحكماء المؤثرة في وجود الفعل من الفاعل المختار المنبعثة عن تصور الغاية والاذعان بها، وكشف الحال أن القلب له معنيان: أحدهما اللحم الصنوبري الذي في تجويفه دم أسود، والثاني لطيفة ربانية روحانية لها تعلق بالقلب الجسماني، وهو المدرك من الانسان والمكلف المخاطب، إذ به يمتاز الانسان عن سائر الحيوانات، بل هو حقيقة الانسان بخلاف الأول المشترك بينه وبين غيره، ويطلق عليه بهذا المعنى العقل، بل ربما أطلق عليه اسم الروح والنفس، كما أنه قد يطلقان على غيره، بل العقل أيضا قد يطلق على غير المعنى المزبور، ثم إن للقلب جنودا، وذلك لأنه لما كان اكتساب الكمالات الانسانية موقوفا على البدن فلا بد من حفظه بجلب ما يوافقه ودفع ما ينافيه، فأنعم الله تعالى على القلب بجندين: باطن وهو الشهوة، وظاهر وهو آلتها، ولما توقف الشهوة للشئ والنفرة عنه على معرفة ذلك أنعم الله عليه في المعرفة بجندين باطنيين أحدهما الادراكات الخمس، ومنازلها الحواس الخمس الظاهرة، وثانيهما القوى الخمس، ومنازلها تجويف الدماغ، فإذا علم الموافق اشتهاه وانبعث على جلبه، وإذا علم المنافر نفر عنه وانبعث على دفعه، والباعث يسمى إرادة، وهي المعبر عنها عند الأصحاب بالداعي، لأنها هي التي تدعو لوقوع الفعل ووجوده في الخارج، بل ربما كانت العلة التامة فيه باعتبار