إما بنفسها أو بما يميزها من الأمور الخارجية حتى يصدق الامتثال، ولا من العبادات حتى تتعين الآثار المترتبة على ما يريد فعله، وإلا لاحتاجت في أول جزء منها إلى قصدها لتميزها عن غيرها، ولذا يحتاج الذاهب من بيته إلى الحمام قاصدا للغسل تجديد النية عند الارتماس، إلا إذا لم يكن من عادته الارتماس لغير الغسل.
ب: وإذ عرفت عدم العبرة بالاخطار، وأن الداعي هو على الاعتبار، تعلم أنه لو أراد فعلا معينا وحركه الداعي إليه كصلاة الظهر، ثم خطر بباله حين المقارنة غيرها كالصبح أو العصر لم يضر.
ج: وإذ عرفت اشتراط القربة والخلوص في نية العبادات، وأنه ربما يشتبه الأمر أو تحصل الغفلة فعليك بالمجاهدة، ومعرفة الرياء وآثاره وعلاماته والمعالجة، وعدم الغفلة عن مكائد النفس الأمارة، فإن تحصيل الخلوص أمر صعب لا يتأتى في الأغلب إلا مع المجاهدات الصعبة، كما يدل عليه قول الأمير عليه السلام:
" تخليص العمل من الفساد أشد من طول الجهاد " (1).
وما ورد عنهم من أن " الرياء شرك خفي وأخفى من دبيب النملة " (2) إلى غير ذلك.
ومن ذلك ظهر فساد ما ذكره بعض المتأخرين (3) من سهولة الخطب في النية، وأن المعتبر فيها محض تخيل المنوي بأدنى توجه، وهذا القدر لا ينفك عنه أحد من العقلاء.
وكذا ظهر مما ذكرنا - من الأخبار الواردة في النية والقربة ومن معنى النية - فساد ما قيل: من أن اشتراط النية بالمعنى المعروف من بدع فقهائنا المتأخرين