الحكمية بالتفسير الأول أيضا.
نعم، من لم يجعل النية هي الاخطار أو الفعلية، بل اكتفى بمجرد الداعي، كما هو مقتضى الأدلة، اعتبرها بنفسها في تمام العمل لامكانها، ولا صارف عنها يوجب المصير إلى الحكمية بأحد المعنيين.
وفيه: أن الحكمية بمعنى كونه ذاكرا للفعل لا تتحقق أيضا إلا بعد قلبين، يتذكر بأحدهما الفعل، لأن التذكر أيضا من فعل القلب، ولا يتفاوت في ذلك تذكر الفعل خاصة أو مع غيره.
نعم، يصلح ذلك توجيها لاعتبارها بالمعنى الأول (1)، لأنه لا يحتاج إلى تذكر، ولكنه ليس أمرا غير الداعي والمحرك المخزون في النفس وإن لم يلتفت إليه، إذ مجرد عدم الانتقال من غير كون الداعي لا يؤثر في الفعل أصلا، وعلى هذا فلا يحتاج في وجه اعتباره إلى ذلك التكلف الركيك، بل هو عين النية الثابتة بالأدلة، ولذا ترى العامل يقال: إنه عامل بالقصد إذا نواه أولا وإن ذهل في الأثناء إذا كان مشتغلا غير منتقل بنيته هذا.
ثم إنه بقي ها هنا شئ، وهو أن الثابت مما ذكر وجوب عدم تأخر الفعلية عن أول جزء من العمل، وأما لزوم عدم تقدمها عليه فلم يثبت، فإنه قد تحصل النية الفعلية قبل العمل ثم تبقى الحالة التي هي الحكمية حتى تقارن أول الجزء، وعلى ما ذكر يجب أن يكون العمل حينئذ صحيحا مع أن الأكثر صرحوا بوجوب مقارنة الفعلية التي يعبرون عنها بالنية لأول جزء.
أقول: هذا المقام هو محل غرور جماعة من المتأخرين، حتى قال بعضهم:
بسقوط البحث عن كلفة المقارنة، وتقديمها في الوضوء عند غسل اليدين (2).
وآخر: بأنه لا أدري ما الباعث للتفرقة بين أول الجزء والأثناء مع تساوي الأجزاء