فإن قلت: اعتباره إنما هو للتميز وهو إنما يحتاج إليه مع الاشتراك.
قلنا: لا نسلم أنه لذلك، بل لأجل أنه جزء المأمور به، فلا يتحقق تمامه بدونه.
نعم، لو ثبت التداخل في الفعل (وكفاية) (1) فعل واحد لهما بمعنى إسقاطه لهما لا انطباقه عليهما لامتناعه، يسقط قصد الجزء المذكور، لأن مرجعه إلى أن الفعل بدون القصدين مسقط له مع كل منهما، وأما التداخل بمعنى إجزاء واحد منهما عن الآخر وإسقاطه إياه، فلا يسقط وجوب قصد القيد، إذ لا يتحقق واحد منهما بدون قصد القيد.
المسألة الرابعة: قالوا: يجب اشتمالها على المميز أيضا إذا اشترك الفعل بين فعلين أمر بهما ولم يتميزا إلا بالقصد. وزاد بعضهم: إن لم يتداخلا أيضا.
واستدلوا عليه: بأنه لا يتحقق الامتثال عرفا إلا به.
وبمثل قوله: (ولكل امرئ ما نوى " (2).
وبأن الصحة عبارة عن موافقة الأمر، وهذا الفعل الواحد الواقع بدون قصد المميز لو صح لكان إما موافقا للأمر بهذا الفعل، أو لمشاركه، أو لهما معا، والأولان مستلزمان للترجيح بلا مرجح، مع أن المفروض عدم تميزه لأحدهما إلا بالقصد، والثالث محال، لعدم انطباق الواحد على المتعدد، وزيد إلا مع التداخل المفروض انتفاؤه، فلا يكون موافقا لأمر وهو معنى البطلان.
ويرد على الأول: منع توقف الامتثال عليه، فإنه لو قال المولى لعبده.
امسح وجهك، ثم قال أيضا كذلك، وأراد بكل، مسحا على حدة، ومسح العبد وجهه مرتين لأجل إطاعة مولاه ولم يقصد في شئ منهما أنه للأمر الأول أو الثاني يعد ممتثلا عرفا، ويستحق ما وعد له من الأجر " ولو مسح مرة من غير قصد أحد