إليه، اللازمة لفعل كل عاقل مختار، دون الصورة المخطرة بالبال.
ولتوضيح الفرق بينهما وتحقيق الحال في المعتبر منهما نقول: إن من يسافر إلى الكوفة لتحصيل نفع، لا بد له أن يتصور أولا الكوفة، والنفع، وحصوله فيها، وتوقفه على المسافرة إليها، والمسافرة، فإذا حصلت تلك التصورات، تحصل للنفس حالة تبعث الأعضاء والجوارح على المسافرة إليها. وهذه الحالة هي المعبر عنها بالداعي والباعث، وهي قد تحصل للنفس من غير التفاتها إليها وإلى أنها الباعثة، وقد يكون ملتفتا إليها، فيتصور وينتقش في باله أن يسافر إلى الكوفة لأجل النفع، وذلك الالتفات والتصوير هو الاخطار.
ثم الحالة الداعية إذا حصلت للنفس تبقى فيها إلى الفراغ عن العمل، وتبعث الجوارح على كل جزء من أجزائه التدريجية، أو إلى قصده ترك العمل، أي قصد المنافي، ولكن قد تبقى معها التصورات المذكورة، وقد لا يبقى منها معها شئ، كما أن الخارج إلى الكوفة قد يشتغل قلبه حين الذهاب بأمور شاغلة له، بحيث يذهل عن نفسه فضلا عن الكوفة والسفر إليها وتحصيل النفع فيها، ومع ذلك هو في الحركة والذهاب، والمحرك هو هذه الحالة المخزونة في النفس وإن كان ذاهلا عنها، بل الغالب في أفعال الناس ذلك.
ألا ترى أنه إذا كنت جالسا ودخل عليك من يستحق التواضع تقوم له حبن دخوله عليك من غير أن تتصور وتلتفت في بالك إني أقوم تواضعا لفلان لاستحقاقه ذلك.
ثم الأولى وهي الحالة مع بقاء التصورات تسمى بالنية الفعلية، والثانية هي النية الحكمية، وهي ترتفع إما بتمام العمل، أو بقصد منافيه، وهي كافية في وقوع الفعل بالنية، ولذا يعد المسافر قاصدا في كل جزء من حركته ذهابا وإيابا، ولا يقال: إنه متحرك بلا نية وقصد، وإن لم يلتفت في كل جزء إلى الذهاب والمقصد، ولا يعد تواضعك خاليا عن القصد والنية، ويترتب عليه ثوابه، بل لو تكلف الالتفات وتخيل ذلك يستقبحه كل أحد اطلع عليه.