ومن الواضح ان كل حكم من أحكام الشريعة ينشأ بمفرده وشخصه لا بعنوان جامع، فلم ينشأ وجوب الصلاة ووجوب الصوم ووجوب الحج بعنوان جامع بل كل جعل بمفرده. إذن فالجامع بين هذه الوجوبات ليس حكما شرعيا مجعولا، إذ لم يتعلق الانشاء به بل تعلق بمصاديقه، وتصنف الاحكام من عبادات ومعاملات - مثلا - أو تكليف ووضع أو نحو ذلك، وإن كان ثابتا، لكن العنوان الصنفي أو النوعي الجامع عنوان انتزاعي واقعي ينتزع بعد ورود الأدلة المتكفلة لجزئيات الاحكام في الموارد المختلفة، وليس أمرا مجعولا شرعا.
وعليه، فبما ان دليل نفي الضرر قد لوحظ فيه تضييق دائرة المجعول الشرعي بغير مورد الضرر، فلا محالة يكون النفي واردا على كل حكم حكم لا على الجامع، إذ ليس الجامع بينهما حكما كي ينفى بدليل نفي الضرر.
نعم، قد يلحظ طريقا إلى أفراده، ولكن هذا غير تعلق النفي به، بل النفي متعلق حقيقة بافراد الحكم المجعولة.
وبعبارة أخرى: ان ملاحظة الصنف بما هو انما تكون إما لنفي دخله في الحكم وبيان ان الحكم وارد على الطبيعي الساري بحيث لا يكون الفرد بما هو ذا خصوصية، بل بما هو فرد للطبيعي. أو لبيان دخله في الحكم بما هو صنف.
وهذا انما يكون في مورد يحتمل دخالة الصنف في ثبوت الحكم ويكون قابلا لورود الحكم عليه، وصنف الحكم مما لا يقبل ورود نفي الجعل عليه، لأنه ليس بمجعول، فكيف يؤخذ موردا للنفي والاثبات؟، بل غاية ما هناك يؤخذ طريقا إلى افراده ويكون النفي والاثبات متعلقا مباشرة بالافراد، فلا يكون العموم في دليل: " لا ضرر " إلا افراديا. فتدبر.
وما ذكرناه لا ينافي الالتزام بعدم اختصاصها بالاحكام الفعلية التي كانت مجعولة قبل ورود نفي الضرر، بل يعم كل حكم يجعل بعد ذلك، إذ ليس ملاك ما بيناه هو كون قضية: " لا ضرر " خارجية ينظر فيها إلى الافراد المحققة