ساحة هذا الصراع الفقهي بين المدرستين الذي انتهى إلى بروز المدرسة الأصولية وانحسار المدرسة الأخبارية.
ولا بد أن نذكر في تاريخ هذا الصراع أن الشيخ يوسف مؤلف " الحدائق " بدأ يحس بأن تعمق هذه الفجوة بين المدرستين داخل المدرسة الفقهية الإمامية وتوسيع رقعة الخلاف لا يعود على التشيع بغير الخلاف والاضعاف، والمسألة من حيث الأساس لا تستحق كل هذا الاهتمام، ولا يجوز شق فقه أهل البيت إلى مدرستين متصارعتين حول هذه المسألة، وإن الأمين الاسترآبادي قد غالى كثيرا وأفرط في تعميق الخلاف والتهجم على فقهاء الشيعة الذين لم يكونوا على رأيه ومذهبه من أمثال العلامة الحلي رحمه الله، وليس كل ما قاله الأخباريون حق، وليس كل ما قاله الأصوليون في محاور الخلاف باطل.
وأحس الشيخ يوسف من هذا المنطلق بمسؤولية شرعية من تضييق رقعة الخلاف وإزالة الحواجز التي أقيمت داخل هذه المدرسة بين هاتين الفئتين، فبدأ يعمل بموجب هذا الوعي وهذه المسؤولية التي أحس بثقلها على كاهله لتضييق شقة الخلاف وإزالة الحواجز ونقد التطرف الأخباري في الموقف تجاه المدرسة الأصولية والمجتهدين. وبدأ رحمه الله يميل إلى مدرسة الأصوليين بشكل أو بآخر. فاستمع إليه رحمه الله في المقدمة الثانية عشر من مقدمات " الحدائق " يقول:
وقد كنت في أول الأمر أنتصر لمذهب الأخباريين وقد أكثرت البحث فيه مع بعض المجتهدين من مشايخنا المعاصرين، إلا أن الذي ظهر لي بعد إعطاء التأمل حقه في المقام وإمعان النظر في كلام علمائنا الأعلام هو اغماض النظر عن هذا الباب وارخاء الستر دونه والحجاب، وإن كان قد فتحه أقوام وأوسعوا فيه دائرة النقض والابرام.
أما (أولا) فلاستلزامه القدح في علماء الطرفين...
وأما (ثانيا) فلأن ما ذكروه في وجوه الفرق بينهما جله بل كله عند التأمل