ملامح المدرسة:
وبعد أن لمس القارئ في حدود ما تقدم من حديث، حدود هذه المدرسة وضخامتها وسعتها، وبعض فقهائها البارزين، وبعض التراث الفقهي والحديثي الذي خلفته لنا هذه الفترة ننتقل به إلى استخلاص ملامح هذه المدرسة، ودراسة الميزات التي تميزت بها هذه المدرسة عن المدارس السابقة عليها، وما قدمته هذه المدرسة من أثر في تطوير البحث الفقهي.
وأولى هذه الملامح وأهمها التوسعة في تدوين الحديث وتجميعه وتنظيمه.
فقد كان تدوين الحديث قبل هذه الفترة كما أشرنا إليه في الحديث عن العصر الثاني لا يتجاوز عن التدوين الشخصي لما سمعه الراوي من الإمام مباشرة أو بصورة غير مباشرة، مبعثرة حينا ومنتظمة في بعض الأحيان.
ولم يتفق لأحد من المحدثين والفقهاء في العصر الثاني أن يجمع ما صح في الأحكام من الأحاديث عن أهل البيت عليهم السلام وينظم ذلك، كما لوحظ في المجموعتين الحديثيتين اللتين خلفتهما هذه المدرسة وهما: " الكافي، ومن لا يحضره الفقيه ".
وهذه الخطوة - خطوة جمع الأحاديث وتنظيمها - تعد من حسنات هذه المدرسة، فقد كثرت حاجة الفقهاء إلى مراجعة الروايات والأحاديث حين الحاجة، وكانت الأحاديث منتشرة بصورة غير منظمة من حيث التبويب والجمع في آلاف الكتب والأصول والرسائل التي خلفها أصحاب الأئمة ومحدثو الشيعة، ولم يكن من اليسير بالطبع الالمام بما ورد من أحاديث المسألة الفقهية لكل أحد، فكانت محاولة الجمع والتبويب في هذه الفترة لسد هذه الحاجة.
وظهر في هذه الفترة لون جديد من الكتابة الفقهية، وهي الرسائل الجوابية فقد كان أتباع مدرسة أهل البيت يسألون الفقهاء من أطراف العالم الاسلامي ما تمس إليه الحاجة من المسائل بشكل استفسار، فكان الفقهاء يجيبون على