في هذه الفترة انتعش التشيع وامتد وانتشر في بلاد الشام، ثم تلا هذه الفترة حكم الأيوبيين الذين استلموا الحكم من الفاطميين وحكوا مصر والشام وجددوا اضطهاد الشيعة في بلاد مصر والشام معا، مما أدى إلى ضمور كبير للحالة الشيعية في مصر والشام، ثم جاء من بعدهم المماليك عام 648 ليواصلوا نفس السياسة التي مارسها سلفهم الأيوبيون في اضطهاد الشيعة والتضيق عليهم في بلاد الشام، وكانت أيامهم من أشق الفترات على شيعة الشام.
وكان المماليك يتخذون من فتاوى ابن التيمية ذريعة للفتك بالشيعة وإباحة دمائهم، وأدى ذلك إلى أن يحتمي طائفة منهم بالجبال والمناطق الجبلية ليحموا أنفسهم من فتك النظام وبطشه، ويتظاهر طائفة منهم بالانتماء إلى المذاهب السنية ليحمي نفسه وذويه من بطش الحكام.
ونتج عن ذلك ضمور للتشيع في بلاد الشام واختفاء معالمه الفكرية والثقافية. فقد فقدت الطائفة الأولى بالتدريج انتماءها الفكري والعملي للتشيع، ولذلك أسموهم بالشيعة المتخاذلة أو المتستين. وأما الطائفة الثانية فقد شاع فيها الجهل نتيجة البعد والانقطاع عن مراكز العلم.
في مثل هذه الظروف الصعبة في عصر المماليك حاول الشهيد الأول أن يوصل جبل عامل بمدرسة الحلة وينقل إليها العلم والفقاهة والفكر، ويجعل من جبل عامل مدرسة للفقاهة والثقافة الإمامية مستفيدا من موقعها الجغرافي الذي يمنحها حصانة طبيعية في مقابل تعدي المماليك.
وكانت مدرسة (جزين) التي أنشأها الشهيد الأول في جبل عامل بذرة لشجرة طيبة نمت فيما بعد وأثمرت واتسعت واستتبعت مدارس فقهية أخرى في مناطق كثيرة من جبل عامل.
ورغم أن الشهيد الأول نفسه الذي أنشأ هذه المدرسة ذهب ضحية فتنة طائفية أوجدها المماليك في الشام واستشهد على يد " بيد مر " أحد ولاة المماليك على الشام إلا أن العلم انتشر في جبل عامل، وتعددت مراكز العلم