ومقتضاه اعتبار استدامتها فعلا، كما هو مقتضى الأدلة، لوجوب تلبس العمل بجميعه بالنية، والاستدامة الحكمية مستلزمة لخلو جل العمل عنها، إذ ليست بنية حقيقة.
ومبنى الخلاف هو الاختلاف في تفسير أصل النية المعتبرة هل هي الصورة المخطرة بالبال؟ أم نفس الداعي إلى الفعل وإن لم يكن بالبال مخطرا في الحال؟
فعلى الأول: لا يمكن اعتبار الاستدامة الفعلية بناء على تعذرها أو تعسرها، إذ " ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه " (1) واعتبار الحكمية حينئذ بالمعنى المتقدم بناء على أن " ما لا يدرك كله لا يترك كله " (2) وذلك لاعتبارها بالمعنى المزبور في أصل النية كاعتبار الجزء في الكل وسقوط الكل بالأمرين لا يستلزم سقوط جزئه، لما عرفت، فتأمل.
وعلى الثاني: يمكن اعتبارها، فيجب وحيث إن المستفاد من الأدلة ليس إلا الثاني بناء على دلالتها على اعتبار النية في أصل العمل ومجموعه وهو ظاهر في وجوب بقائها بنفسها إلى منتهاه، وهو في المخطر - كما عرفت - غير ممكن، وليس بعد ذلك إلا الداعي، فيجب إرادته منها. ولا صارف يوجب المصير إلى الأول.
هذا، مع أن معناها لغة وعرفا ليس إلا ذلك، ولذا العامل عملا لم يخطر القصد بباله حينه لا يكون في العرف عاملا بغير نية، بل لا ريب في تلبس عمله بها عند أهله، وليست العبادات فيها إلا مثل غيرها، وإنما الفارق بينهما اعتبار الخلوص والقربة في الأول دون الثاني، فالمكلف به المشترط في صحة العبادات ليس إلا الخصوصية - وهي الاخلاص - دون أصل النية، لعدم القدرة على تركها،