الاستسقاء إنما يكون عند عدم الماء وحبس المطر. ومعناه في اللغة: طلب السقيا. وفي الشرع ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في صفته من الصلاة والدعاء. والحجر يحتمل أن يكون حجرا معينا فتكون اللام للعهد، ويحتمل أن لا يكون معينا فتكون للجنس، وهو أظهر في المعجزة وأقوى للحجة. وقوله (فانفجرت) الفاء مترتبة على محذوف تقديره فضرب فانفجرت، والانفجار: الانشقاق، وانفجر الماء انفجارا تفتح، والفجرة: موضع تفتح الماء. قال ابن عطية: ولا خلاف أنه كان حجرا مربعا يخرج من كل جهة ثلاث عيون إذا ضربه موسى سالت العيون، وإذا استغنوا عن الماء جفت. والمشرب: موضع الشرب، وقيل هو المشروب نفسه. وفيه دليل على أنه يشرب من كل عين قوم منهم لا يشاركهم غيرهم. قيل كان لكل سبط عين من تلك العيون لا يتعداها إلى غيرها، والأسباط ذرية الاثني عشر من أولاد يعقوب. وقوله (كلوا) أي قلنا لهم كلوا المن والسلوى واشربوا الماء المتفجر من الحجر. وعثا يعثي عثيا، وعثا يعثو عثوا، وعاث يعيث عيثا، لغات: بمعنى أفسد. وقوله (مفسدين) حال مؤكدة. قال في القاموس: عثى كرمى، وسعى ورضي، عثيا وعثيا وعثيانا، وعثا يعثو عثوا: أفسد: وقال في الكشاف: العثي أشد الفساد. فقيل لهم: لا تمادوا في الفساد في حال فسادكم، لأنهم كانوا متمادين فيه انتهى. قوله (لن نصبر على طعام واحد) تضجر منهم بما صاروا فيه من النعمة والرزق الطيب والعيش المستلذ، ونزوع إلى ما ألفوه قبل ذلك من خشونة العيش:
إن الشقي بالشقاء مولع * لا يملك الرد له إذا أتى ويحتمل أن لا يكون هذا منهم تشوقا إلى ما كانوا فيه، ونظرا لما صاروا إليه من العيشة الرافهة، بل هو باب من تعنتهم، وشعبة من شعب تعجرفهم كما هو دأبهم وهجيراهم في غالب ما قص علينا من أخبارهم. وقال الحسن البصري: إنهم كانوا أهل كراث وأبصال وأعداس فنزعوا إلى عكرهم: أي أصلهم عكر السوء، واشتاقت طباعهم إلى ما جرت عليه عادتهم فقالوا (لن نصبر على طعام واحد) والمراد بالطعام الواحد هو المن والسلوى، وهما وإن كانا طعامين لكن لما كانوا يأكلون أحدهما بالآخر جعلوهما طعاما واحد: وقيل لتكررهما في كل يوم وعدم وجود غيرهما معهما ولا تبدلة بهما. ومن في قوله (مما تنبت) تخرج. قال الأخفش زائدة، وخالفه سيبويه لكونها لا تزاد في الكلام الموجب. قال النحاس: وإنما دعا الأخفش إلى هذا لأنه لم يجد مفعولا ليخرج فأراد أن يجعل ما مفعولا، والأولى أن يكون المفعول محذوفا دل عليه سياق الكلام: أي تخرج لنا مأكولا. وقوله (من بقلها) بدل من ما بإعادة الحرف، والبقل: كل نبات ليس له ساق، والشجر: ماله ساق. قال في الكشاف: البقل ما أنبتته الأرض من الخضر، والمراد به أطايب البقول التي يأكلها الناس كالنعناع والكرفس والكراث وأشباهها انتهى. والقثاء بكسر القاف وفتحها. والأولى قراءة الجمهور. والثانية قراءة يحيى بن وثاب وطلحة بن مصرف وهو معروف. والفوم: قيل هو الثوم، وقد قرأه ابن مسعود بالثاء. وروى نحو ذلك عن ابن عباس، وقيل:
الفوم الحنطة، وإليه ذهب أكثر المفسرين، كما قال القرطبي. وقد رجح هذا ابن النحاس. وقال الجوهري:
الفوم الحنطة، وممن قال بهذا الزجاج والأخفش، وأنشد:
قد كنت أحسبني كأغنى واحد * ترك المدينة عن زراعة فوم وقال بالقول الأول الكسائي والنضر بن شميل، ومنه قول أمية بن أبي الصلت:
كانت منازلهم إذ ذاك ظاهرة * فيها الفراديس والفومات والبصل