وألف عام حتى ابيضت، وألف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة لا يطفأ لهبها ". وأخرج ابن أبي شيبة والترمذي وابن مردويه والبيهقي عن أبي هريرة مرفوعا مثله. وأخرج أحمد ومالك والبخاري ومسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال " نار بني آدم التي توقدون جزء من سبعين جزءا من نار جهنم، قالوا:
يا رسول الله إن كانت لكافية؟ قال فإنها قد فضلت عليها بتسعة وستين جزءا كلهن مثل حرها ". وأخرج الترمذي وحسنه عن أبي سعيد مرفوعا نحوه. وأخرج ابن ماجة والحاكم وصححه عن أنس مرفوعا نحوه أيضا. وأخرج مالك في الموطأ والبيهقي في البعث عن أبي هريرة قال: أترونها حمراء مثل ناركم هذه التي توقدون، إنها لأشد سوادا من القار. وأخرج ابن إسحاق وابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله (أعدت للكافرين) قال:
أي لمن كان مثل ما أنتم عليه من الكفر.
لما ذكر تعالى جزاء الكافرين عقبه بجزاء المؤمنين ليجمع بين الترغيب والترهيب والوعد والوعيد كما هي عادته سبحانه في كتابه العزيز، لما في ذلك من تنشيط عباده المؤمنين لطاعاته، وتثبيط عباده الكافرين عن معاصيه.
والتبشير: الإخبار بما يظهر أثره على البشرة، وهي الجلدة الظاهرة، من البشر والسرور. قال القرطبي: أجمع العلماء على أن المكلف إذا قال: من بشرني من عبيدي فهو حر فبشره واحد من عبيده فأكثر فإن أولهم يكون حرا دون الثاني واختلفوا إذا قال: من أخبرني من عبيدي بكذا فهو حر، فقال أصحاب الشافعي: يعم لأن كل واحد منهم مخبر، وقال علماؤنا: لا، لأن المكلف إنما قصد خبرا يكون بشارة، وذلك مختص بالأول انتهى.
والحق أنه إن أراد مدلول الخبر عتقوا جميعا، وإن أراد الخبر المقيد بكونه بشارة عتق الأول، فالخلاف لفظي.
والمأمور بالتبشير قيل هو النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقيل هو كل أحد كما في قوله صلى الله عليه وآله وسلم " بشر المشائين " وهذه الجمل وإن كانت مصدرة بالإنشاء فلا يقدح ذلك في عطفها على ما قبلها، لأن المراد عطف جملة وصف ثواب المطيعين على جملة وصف عقاب العاصين من دون نظر إلى ما اشتمل عليه الوصفان من الأفراد المتخالفة خبرا وإنشاء. وقيل: إن قوله (وبشر) معطوف على قوله (فاتقوا النار)، وليس هذا بجيد. و (الصالحات) الأعمال المستقيمة. والمراد هنا: الأعمال المطلوبة منهم المفترضة عليهم - وفيه رد على من يقول إن الإيمان بمجرده يكفي، فالجنة تنال بالإيمان والعمل الصالح. والجنات: البساتين، وإنما سميت جنات لأنها تجن من فيها: أي تستره بشجرها، وهو اسم لدار الثواب كلها وهي مشتملة على جنات كثيرة. والأنهار جمع نهر، وهو المجرى الواسع فوق الجدول ودون البحر، والمراد: الماء الذي يجري فيها، وأنشد الجري إليها مجازا، والجاري حقيقة هو الماء كما في قوله تعالى - واسأل القرية - أي أهلها وكما قال الشاعر:
ونبئت أن النار بعدك أوقدت * واستب بعدك يا كليب المجلس والضمير في قوله (من تحتها) عائد إلى الجنات لاشتمالها على الأشجار: أي من تحت أشجارها. وقوله (كلما رزقوا) وصف آخر للجنات، أو هو جملة مستأنفة كأن سائلا قال: كيف ثمارها. و (من ثمرة) في معنى من أي