قوله (لا تكونوا كالذين كفروا) هم المنافقون الذين قالوا: لو كان لنا من الأمر شئ ما قتلنا ها هنا. قوله (وقالوا لإخوانهم في النفاق أو في النسب: أي قالوا لأجلهم (إذا ضربوا في الأرض) إذا ساروا فيها للتجارة أو نحوها، قيل إن إذا هنا المفيدة لمعنى الاستقبال بمعنى إذ المفيدة لمعنى المضي، وقيل هي على معناها، والمراد هنا حكاية الحال الماضية. وقال الزجاج: إذا هنا تنوب عن ما مضي من الزمان وما يستقبل (لو كانوا غزى) جمع غاز كراكع وركع، وغائب وغيب، قال الشاعر: قل للقوافل والغزى إذا غزوا * ليجعل الله ذلك حسرة في قلوبهم) اللام متعلقة بقوله (قالوا) أي قالوا ذلك واعتقدوه ليكون حسرة في قلوبهم. والمراد أنه صار ظنهم أنهم لو لم يخرجوا ما قتلوا حسرة، أو متعلقة بقوله (لا تكونوا) أي لا تكونوا مثلهم في اعتقاد ذلك ليجعله الله حسرة في قلوبهم فقط دون قلوبكم، وقيل المعنى لا تلتفتوا إليهم ليجعل الله عدم التفاتكم إليهم حسرة في قلوبهم، وقيل المراد حسرة في قلوبهم يوم القيامة لما فيه من الخزي والندامة (والله يحيى ويميت) فيه رد على قولهم، أي ذلك بيد الله سبحانه يصنع ما يشاء ويحكم ما يريد، فيحيى من يريد ويميت من يريد من غير أن يكون للسفر أو الغزو أثر في ذلك، واللام في قوله (ولئن قتلتم) موطئة. وقوله (لمغفرة) جواب القسم ساد مسد جواب الشرط، والمعنى: أن السفر والغزو ليسا مما يجلب الموت ولئن وقع ذلك بأمر الله سبحانه (لمغفرة من الله ورحمة خير مما يجمعون) أي الكفرة من منافع الدنيا وطيباتها مدة أعمارهم على قراءة من قرأ بالباء التحتية، أو خير مما تجمعون أيها المسلمون من الدنيا ومنافعها على قراءة من قرأ بالفوقية. والمقصود في الآية بيان مزية القتل أو الموت في سبيل الله وزيادة تأثيرهما في استجلاب المغفرة والرحمة. قوله (ولئن متم أو قتلتم) على أي وجه حسب تعلق الإرادة الإلهية (لإلى الله تحشرون) هو جواب القسم المدلول عليه باللام الموطئة ساد مسد جواب الشرط كما تقدم في الجملة الأولى: أي إلى الرب الواسع المغفرة تحشرون لا إلى غيره كما يفيده تقديم الظرف على الفعل مع ما في تخصيص اسم الله سبحانه بالذكر من الدلالة على كمال اللطف والقهر. " وما " في قوله (فبما رحمة من الله) مزيدة للتأكيد، قاله سيبويه وغيره، وقال ابن كيسان: إنها نكرة في موضع جر بالباء، ورحمة بدل منها، والأول أولي بقواعد العربية ومثله قوله تعالى - فبما نقضهم ميثاقهم - والجار والمجرور متعلق بقوله (لنت لهم) وقدم عليه لإفادة القصر، وتنوين رحمة للتعظيم، والمعنى: أن لينه لهم ما كان إلا بسبب الرحمة العظيمة منه، وقيل إن ما استفهامية، والمعنى: فبأي رحمة من الله لنت لهم، وفيه معنى التعجيب وهو بعيد، ولو كان كذلك لحذف الألف من ما، وقيل فبم رحمة من الله. والفظ: الغليظ الجافي. وقال الراغب: الفظ هو الكريه الخلق، وأصله فظظ كحذر. وغلظ القلب قساوته وقلة إشفاقه وعدم انفعاله للخير. والانفضاض التفرق، يقال فضضتهم فانفضوا: أي فرقتهم فتفرقوا.
والمعنى: لو كنت فظا غليظ القلب لا ترفق بهم لتفرقوا من حولك هيبة لك واحتشاما منك بسبب ما كان من توليهم، وإذا كان الأمر كما ذكر (فاعف عنهم) فيما يتعلق بك من الحقوق (واستغفر لهم) الله سبحانه فيما هو إلى الله سبحانه (وشاورهم في الأمر) أي الذي يرد عليك: أي أمر كان مما يشاور في مثله، أو في أمر الحرب خاصة كما يفيده السياق لما في ذلك من تطييب خواطرهم واستجلاب مودتهم، ولتعريف الأمة بمشروعية ذلك حتى لا يأنف منه أحد بعدك. والمراد هنا المشاورة في غير الأمور التي يرد الشرع بها. قال أهل اللغة: الاستشارة مأخوذة من قول