لعباده، فإنه لا يتم الإيمان بالله سبحانه إلا بالإيمان بهذه الأمور. قوله (ولو آمن أهل الكتاب) أي اليهود إيمانا كإيمان المسلمين بالله ورسله وكتبه (لكان خيرا لهم) ولكنهم لم يفعلوا ذلك بل قالوا: نؤمن ببعض الكتاب ونكفر ببعض، ثم بين حال أهل الكتاب بقوله (منهم المؤمنون) وهم الذين آمنوا برسول الله صلى الله عليه وآله وسلم منهم، فإنهم آمنوا بما أنزل عليه وما أنزل من قبله (وأكثرهم الفاسقون) أي الخارجون عن طريق الحق المتمردون في باطلهم المكذبون لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ولما جاء به فيكون هذا التفصيل على هذا كلاما مستأنفا جوابا عن سؤال مقدر كأنه قيل: هل منهم من آمن فاستحق ما وعده الله. قوله (لن يضروكم إلا أذى) أي لن يضروكم بنوع من أنواع الضرر إلا بنوع الأذى، وهو الكذب والتحريف والبهت ولا يقدرون على الضرر الذي هو الضرر في الحقيقة بالحرب والنهب ونحوهما، فالاستثناء مفرغ، وهذا وعد من الله لرسوله وللمؤمنين أن أهل الكتاب لا يغلبونهم وأنهم منصورون عليهم، وقيل الاستثناء منقطع. والمعنى: لن يضروكم ألبتة لكن يؤذونكم، ثم بين سبحانه ما نفاه من الضرر بقوله (وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار) أي ينهزمون ولا يقدرون على مقاومتكم فضلا عن أن يضروكم. وقوله (ثم لا ينصرون) عطف على الجملة الشرطية: أي ثم لا يوجد لهم نصر ولا يثبت لهم غلب في حال من الأحوال، بل شأنهم الخذلان ما داموا. وقد وجدنا ما وعدنا سبحانه حقا فإن اليهود لم تخفق لهم راية نصر ولا اجتمع لهم جيش غلب بعد نزول هذه الآية، فهي من معجزات النبوة. قوله (ضربت عليهم الذلة) قد تقدم في البقرة معنى هذا التركيب. والمعنى: صارت الذلة محيطة بهم في كل حال وعلى كل تقدير في أي مكان وجدوا (إلا بحبل من الله) أي إلا أن يعتصموا بحبل من الله، قاله الفراء: أي بذمة الله أو بكتابه (وحبل من الناس) أي بذمة من الناس وهم المسلمون، وقيل المراد بالناس النبي صلى الله عليه وآله وسلم (وباءوا) أي رجعوا (بغضب من الله) وقيل احتملوا، وأصل معناه في اللغة اللزوم والاستحقاق: أي لزمهم غضب من الله هم مستحقون له. ومعنى ضرب المسكنة: إحاطتها بهم من جميع الجوانب، وهكذا حال اليهود فإنهم تحت الفقر المدقع والمسكنة الشديدة إلا النادر الشاذ منهم. والإشارة بقوله ذلك إلى ما تقدم من ضرب الذلة والمسكنة والغضب، أي وقع عليهم ذلك بسبب أنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق، والإشارة بقوله ذلك إلى الكفر وقتل الأنبياء بسبب عصيانهم لله واعتدائهم لحدوده. ومعنى الآية: أن الله ضرب عليهم الذلة والمسكنة والبواء بالغضب منه لكونهم كفروا بآياته وقتلوا أنبياءه بسبب عصيانهم واعتدائهم.
وقد أخرج عبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد وأحمد والنسائي وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن عباس في قوله (كنتم خير أمة) قال: هم الذين هاجروا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن السدى في الآية قال: قال عمر بن الخطاب: لو شاء الله لقال أنتم فكنا كلنا، ولكن قال كنتم في خاصة أصحاب محمد ومن صنعهم مثل صنعهم كانوا خير أمة أخرجت للناس وفي لفظ عنه أنه قال يكون لأولنا ولا يكون لآخرنا. وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: ذكر لنا أن عمر بن الخطاب قرأ هذه الآية، ثم قال: يا أيها الناس من سره أن يكون من تلك الأمة فليؤد شرط الله منها. وأخرج ابن جرير وابن المنذر عن عكرمة في الآية قال: نزلت في ابن مسعود وعمار بن ياسر وسالم مولى أبي حذيفة وأبي بن كعب ومعاذ بن جبل. وأخرج البخاري وغيره عن أبي هريرة في الآية قال: خير الناس للناس يأتون بهم في السلاسل في أعناقهم حتى يدخلوا في الإسلام. وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وأحمد والترمذي وحسنه وابن ماجة وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن معاوية بن حيدة أنه سمع النبي صلى الله