راجعا إلى الجزاء، فسمى الجزاء إتيانا كما سمي التخويف والتعذيب في قصة ثمود إتيانا، فقال - فأتى الله بنيانهم من القواعد - وقال في قصة النضير - فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا - وإنما احتمل الإتيان هذا، لأن أصله عند أهل اللغة القصد إلى الشئ، فمعنى الآية: هل ينظرون إلا أن يظهر الله فعلا من الأفعال مع خلق من خلقه يقصد إلى محاربتهم وقيل إن المعنى: يأتيهم أمر الله وحكمه، وقيل إن قوله (في ظلل) بمعنى بظلل، وقيل المعنى: يأتيهم ببأسه في ظلل. والغمام: السحاب الرقيق الأبيض، سمي بذلك لأنه يغم: أي يستر. ووجه إتيان العذاب في الغمام على تقدير أن ذلك هو المراد ما في مجئ الخوف من محل الأمن من الفظاعة وعظم الموقع، لأن الغمام مظنة الرحمة لا مظنة العذاب. وقوله (وقضى الأمر) عطف على يأتيهم داخل في حيز الانتظار، وإنما عدل إلى صيغة الماضي دلالة على تحققه فكأنه قد كان، أو جملة مستأنفة جئ بها للدلالة على أن مضمونها واقع لا محالة: أي وفرغ من الأمر الذي هو إهلاكهم. وقرأ معاذ بن جبل " وقضاء الأمر " بالمصدر عطفا على الملائكة. وقرأ يحيى بن يعمر " وقضى الأمور " بالجمع. وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي (ترجع الأمور) على بناء الفعل للفاعل، وقرأ الباقون على البناء للمفعول.
وقد أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة) قال: يعني مؤمني أهل الكتاب، فإنهم كانوا مع الإيمان بالله مستمسكين ببعض أمر التوراة والشرائع التي أنزلت فيهم، يقول: ادخلوا في شرائع دين محمد ولا تدعوا منها شيئا، وحسبكم الإيمان بالتوراة وما فيها. وأخرج ابن جرير عن عكرمة: أن هذه الآية نزلت في ثعلبة وعبد الله بن سلام وابن يامين وأسد وأسيد ابني كعب وسعيد بن عمرو وقيس بن زيد كلهم من يهود قالوا: يا رسول الله يوم السبت يوم كنا نعظمه فدعنا فلنسبت فيه، وإن التوراة كتاب الله فلنقم بها الليل، فنزلت (يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة). وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: السلم الطاعة لله، وكافة يقول: جميعا. وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عنه قال: السلم: الإسلام، والزلل: ترك الإسلام. وأخرج ابن جرير عن السدي قال (فإن زللتم من بعد ما جاءتكم البينات) قال: فإن ظللتم من بعد ما جاءكم محمد صلى الله عليه وآله وسلم. وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " يجمع الله الأولين والآخرين لميقات يوم معلوم قياما شاخصة أبصارهم إلى السماء ينتظرون فصل القضاء وينزل الله في ظلل من الغمام من العرش إلى الكرسي ". وأخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وأبو الشيخ في العظمة عن ابن عمر في هذه الآية قال: يهبط حين يهبط وبينه وبين خلقه سبعون ألف حجاب، منها النور والظلمة والماء، فيصوت الماء في تلك الظلمة صوتا تنخلع له القلوب. وأخرج أبو يعلى وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن ابن عباس في هذه الآية قال: يأتي الله يوم القيامة في ظلل من السحاب قد قطعت طاقات.
وأخرج ابن أبي جرير والديلمي عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " إن من الغمام طاقات يأتي الله فيها محفوفات بالملائكة " وذلك قوله (هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله في ظلل من الغمام). وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن عكرمة (في ظلل من الغمام) قال: طاقات والملائكة حوله. وأخرج ابن أبي حاتم عن قتادة في الآية قال: يأتيهم الله في ظلل من الغمام، وتأتيهم الملائكة عند الموت. وأخرج عن عكرمة في قوله (وقضى الأمر) يقول: قامت