غير تمتع ولا قران، وبه قال ابن حبيب. وقال مقاتل: إتمامها أن لا يستحلوا فيهما مالا ينبغي لهم، وقيل إتمامهما أن يحرم لهما من دويرة أهله، وقيل أن ينفق في سفرهما الحلال الطيب، وسيأتي بيان سبب نزول الآية وما هو مروي عن السلف في معنى إتمامهما. وقد استدل بهذه الآية على وجوب العمرة لأن الأمر بإتمامهما أمر بها، وبذلك قال علي وابن عمر وابن عباس وعطاء وطاوس ومجاهد والحسن وابن سيرين والشعبي وسعيد بن جبير ومسروق وعبد الله بن شداد والشافعي وأحمد وإسحاق وأبو عبيد وابن الجهم من المالكية. وقال مالك والنخعي وأصحاب الرأي كما حكاه ابن المنذر عنهم: أنها سنة. وحكي عن أبي حنيفة أنه يقول بالوجوب. ومن القائلين بأنها سنة ابن مسعود وجابر بن عبد الله. ومن جملة ما استدل به الأولون ما ثبت عنه صلى الله عليه وآله وسلم في الصحيح أنه قال لأصحابه " من كان معه هدي فليهل بحج وعمرة ". وثبت عنه أيضا في الصحيح أنه قال " دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ". وأخرج الدارقطني والحاكم من حديث زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " إن الحج والعمرة فريضتان لا يضرك بأيهما بدأت ". واستدل الآخرون بما أخرجه الشافعي في الآية وعبد الرزاق وابن أبي شيبة وعبد بن حميد عن أبي صالح الحنفي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم " الحج جهاد والعمرة تطوع ". وأخرج ابن ماجة عن طلحة بن عبيد الله مرفوعا مثله. وأخرج ابن أبي شيبة وعبد ابن حميد والترمذي وصححه عن جابر " أن رجلا سأل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن العمرة أواجبة هي؟
قال: لا وأن تعتمروا خير لكم " وأجابوا عن الآية وعن الأحاديث المصرحة بأنها فريضة بحمل ذلك على أنه قد وقع الدخول فيها، وهي بعد الشروع فيها واجبة بلا خلاف، وهذا وإن كان فيه بعد، لكنه يجب المصير إليه جمعا بين الأدلة ولا سيما بعد تصريحه صلى الله عليه وآله وسلم بما تقدم في حديث جابر من عدم الوجوب، وعلى هذا يحمل ما ورد مما فيه دلالة على وجوبها، كما أخرجه الشافعي في الأم أن في الكتاب الذي كتبه النبي صلى الله عليه وآله وسلم لعمرو بن حزم " إن العمرة هي الحج الأصغر ". وكحديث ابن عمر عند البيهقي في الشعب قال " جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: أوصني، فقال: تعبد الله ولا تشرك به شيئا، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم شهر رمضان، وتحج وتعتمر، وتسمع وتطيع، وعليك بالعلانية، وإياك والسر " وهكذا ينبغي حمل ما ورد من الأحاديث التي قرن فيها بين الحج والعمرة في أنهما من أفضل الأعمال، وأنهما كفارة لما بينهما، وأنهما يهدمان ما كان قبلهما ونحو ذلك. قوله (فإن أحصرتم) الحصر: الحبس. قال أبو عبيدة والكسائي والخليل: إنه يقال أحصر بالمرض، وحصر بالعدو. وفي المجمل لابن فارس العكس يقال: أحصر بالعدو، وحصر بالمرض. ورجح الأول ابن العربي وقال: هو رأي أكثر أهل اللغة. وقال الزجاج: إنه كذلك عند جميع أهل اللغة. وقال الفراء: هما بمعنى واحد في المرض والعدو. ووافقه على ذلك أبو عمرو الشيباني فقال:
حصرني الشئ وأحصرني: أي حبسني. وبسبب هذا الاختلاف بين أهل اللغة اختلف أئمة الفقه في معنى الآية، فقالت الحنفية: المحصر من يصير ممنوعا من مكة بعد الإحرام بمرض أو عدو أو غيره. وقالت الشافعية وأهل المدينة المراد بالآية حصر العدو. وقد ذهب جمهور العلماء إلى أن المحصر بعدو يحل حيث أحصر وينحر هديه إن كان ثم هدى ويحلق رأسه، كما فعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو وأصحابه في الحديبية. وقوله (فما استيسر من الهدى) " ما " في موضع رفع على الابتداء أو الخبر: أي فالواجب أو فعليكم، ويحتمل أن يكون في موضع نصب، أي فانحروا أو فاهدوا ما استيسر: أي ما تيسر، يقال يسر الأمر واستيسر، كما يقال صعب واستصعب،