على أنكم كاذبون في قولكم (نؤمن بما أنزل علينا) لا صادقون، فإن زعمتم أن كتابكم الذي آمنتم به أمركم بهذا فبئسما يأمركم به إيمانكم بكتابكم، وفي هذا من التهكم بهم ما لا يخفى. وقوله (قل إن كانت لكم الدار الآخرة) هو رد عليهم لما ادعوا أنهم يدخلون الجنة ولا يشاركهم في دخولها غيرهم، وإلزام لهم بما يتبين به أنهم كاذبون في تلك الدعوى، وأنها صادرة منهم لا عن برهان، و (خالصة) منصوب على الحال ويكون خبر كان هو عند الله أو يكون خبر كان هو خالصة، ومعنى الخلوص أنه لا يشاركهم فيها غيرهم إذا كانت اللام في قوله (من دون الناس) للجنس أو لا يشاركهم فيها المسلمون إن كانت اللام للعهد. وهذا أرجح لقولهم في الآية الأخرى (وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى) وإنما أمرهم بتمني الموت لأن من اعتقد أنه من أهل الجنة كان الموت أحب إليه من الحياة، ولما كان ذلك منهم مجرد دعوى أحجموا، ولهذا قال سبحانه (ولن يتمنوه أبدا) و " ما " في قوله (بما قدمت أيديهم) موصولة والعائد محذوف: أي بما قدمته من الذنوب التي يكون فاعلها غير آمن من العذاب بل غير طامع في دخول الجنة، فضلا عن كونه قاطعا بها فضلا عن كونها خالصة له مختصة به - وقيل إن الله سبحانه صرفهم عن التمني ليجعل ذلك آية لنبيه صلى الله عليه وآله وسلم. والمراد بالتمني هنا: هو التلفظ بما يدل عليه، لا مجرد خطوره بالقلب وميل النفس إليه، فإن ذلك لا يراد في مقام المحاجة ومواطن الخصومة ومواقف التحدي، وفي تركهم للتمني أو صرفهم عنه معجزة لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فإنهم قد كانوا يسلكون من التعجرف والتجرئ على الله وعلى أنبيائه بالدعاوي الباطلة في غير موطن ما قد حكاه عنهم التنزيل، فلم يتركوا عادتهم هنا إلا لما قد تقرر عندهم من أنهم إذا فعلوا ذلك التمني نزل بهم الموت، إما لأمر قد علموه، أو للصرفة من الله عز وجل. وقد يقال: ثبت النهي عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن تمني الموت فكيف أمره الله أن يأمرهم بما هو منهي عنه في شريعته. ويجاب بأن المراد هنا إلزامهم الحجة، وإقامة البرهان على بطلان دعواهم.
وقوله (والله عليم بالظالمين) تهديد لهم وتسجيل عليهم بأنهم كذلك. واللام في قوله (ولتجدنهم) جواب قسم محذوف، وتنكير حياة للتحقير: أي أنهم أحرص الناس على أحقر حياة وأقل لبث في الدنيا، فكيف بحياة كثيرة ولبث متطاول؟ وقال في الكشاف: إنه أراد بالتنكير حياة مخصوصة وهي الحياة المتطاولة، وتبعه في ذلك الرازي في تفسيره. وقوله (ومن الذين أشركوا) قيل هو كلام مستأنف، والتقدير: ومن الذين أشركوا ناس (يود أحدهم) وقيل إنه معطوف على الناس: أي أحرص الناس وأحرص من الذين أشركوا، وعلى هذا يكون قوله " يود أحدهم " راجعا إلى اليهود بيانا لزيادة حرصهم على الحياة، ووجه ذكر الذين أشركوا بعد ذكر الناس مع كونهم داخلين فيهم الدلالة على مزيد حرص المشركين من العرب ومن شابههم من غيرهم. فمن كان أحرص منهم وهم اليهود كان بالغا في الحرص إلى غاية لا يقادر قدرها. وإنما بلغوا في الحرص إلى هذا الحد الفاضل على حرص المشركين، لأنهم يعلمون بما يحل بهم من العذاب في الآخرة، بخلاف المشركين من العرب ونحوهم فإنهم لا يقرون بذلك، وكان حرصهم على الحياة دون حرص اليهود. والأول وإن كان فيه خروج من الكلام في اليهود إلى غيرهم من مشركي العرب لكنه أرجح لعدم استلزامه للتكليف، ولا ضير في استطراد ذكر حرص المشركين بعد ذكر حرص اليهود. وقال الرازي: إن الثاني أرجح ليكون ذلك أبلغ في إبطال دعواهم وفي إظهار كذبهم في قولهم إن الدار الآخرة لنا لا لغيرنا انتهى ويجاب عنه بأن هذا الذي جعله مرجحا قد أفاده قوله تعالى (ولتجدنهم أحرص الناس) ولا يستلزم استئناف الكلام في المشركين أن لا يكونوا من جملة الناس، وخص الألف بالذكر لأن العرب كانت تذكر ذلك عند إرادة المبالغة. وأصل سنة سنهة وقيل سنوة. واختلف في الضمير في قوله (وما