الاستفهام في قوله (ما لكم) للإنكار، واسم الاستفهام مبتدأ وما بعده خبره. والمعنى: أي شئ كائن لكم (في المنافقين) أي في أمرهم وشأنهم حال كونكم (فئتين) في ذلك. وحاصله الإنكار على المخاطبين أن يكون لهم شئ يوجب اختلافهم في شأن المنافقين. وقد اختلف النحويون في انتصاب فئتين، فقال الأخفش والبصريون على الحال كقولك: مالك قائما. وقال الكوفيون انتصابه على أنه خبر لكان، وهي مضمرة، والتقدير: فما لكم في المنافقين كنتم فئتين. وسبب نزول الآية ما سيأتي وبه يتضح المعنى. وقوله (والله أركسهم) معناه ردهم إلى الكفر (بما كسبوا) وحكى الفراء والنضر بن شميل والكسائي أركسهم وركسهم: أي ردهم إلى الكفر ونكسهم فالركس والنكس: قلب الشئ على رأسه، أو رد أوله إلى آخره، والمنكوس المركوس، وفي قراءة عبد الله بن مسعود وأبي (والله ركسهم) ومنه قول عبد الله بن رواحة:
اركسوا في فئة مظلمة * كسواد الليل يتلوها فتن والباء في قوله (بما كسبوه) سببية: أي أركسهم بسبب كسبهم، وهو لحوقهم بدار الكفر، والاستفهام في قوله (أتريدون أن تهدوا من أضل الله) للتقريع والتوبيخ، وفيه دليل على أن من أضله الله لا تنجع فيه هداية البشر - إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء -. قوله (ومن يضلل الله فلن تجد له سبيلا) أي طريقا إلى الهداية.
قوله (ودوا لو تكفرون كما كفروا فتكونون سواء) هذا كلام مستأنف يتضمن بيان حال هؤلاء المنافقين وإيضاح أنهم يودون أن يكفر المؤمنون كما كفروا ويتمنوا ذلك عنادا وغلوا في الكفر وتماديا في الضلال، فالكاف في قوله (كما) نعت مصدر محذوف: أي كفرا مثل كفرهم، أو حال كما روى عن سيبويه. قوله (فتكونون سواء) عطف على قوله (تكفرون) داخل في حكمه: أي ودوا كفركم ككفرهم، وودوا مساواتكم لهم. قوله (فلا تتخذوا منهم أولياء) جواب شرط محذوف: أي إذا كان حالهم ما ذكر فلا تتخذوا منهم أولياء حتى يؤمنوا ويحققوا إيمانهم بالهجرة (فإن تولوا) عن ذلك (فخذوهم) إذا قدرتم عليهم (واقتلوهم حيث وجدتموهم) في الحل والحرم (ولا تتخذوا منهم وليا) توالونه (ولا نصيرا) تستنصرون به. قوله (إلا الذين يصلون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق) هو مستثنى من قوله (فخذوهم واقتلوهم) أي إلا الذين يتصلون ويدخلون في قوم بينكم وبينهم ميثاق بالجوار والحلف فلا تقتلوهم لما بينهم وبين من بينكم وبينهم عهد وميثاق فإن العهد يشملهم، هذا أصح ما قيل في معنى الآية وقيل الاتصال هنا هو اتصال النسب. والمعنى: إلا الذين ينتسبون إلى قوم بينكم وبينهم ميثاق قاله أبو عبيدة