ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون (2) يقول تعالى " ينزل الملائكة بالروح " أي الوحي كقوله " وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الايمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا " وقوله " على من يشاء من عباده " وهم الأنبياء كما قال تعالى " الله أعلم حيث يجعل رسالته " وقال " الله يصطفي من الملائكة رسلا ومن الناس " وقال " يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق * يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شئ لمن الملك اليوم لله الواحد القهار " وقوله " أن أنذروا " أي لينذروا " أنه لا إله إلا أنا فاتقون " أي فاتقوا عقوبتي لمن خالف أمري وعبد غيري.
خلق السماوات والأرض بالحق تعالى عما يشركون (3) خلق الانسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين (4) يخبر تعالى عن خلقه العالم العلوي وهو السماوات والعالم السفلي وهو الأرض بما حوت وأن ذلك مخلوق بالحق لا للعبث بل " ليجزي الذين أساءوا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى " ثم نزه نفسه عن شرك من عبد معه غيره وهو المستقل بالخلق وحده لا شريك له فلهذا يستحق أن يعبد وحده لا شريك له، ثم نبه على خلق جنس الانسان من نطفة أي مهينة ضعيفة فلما استقل ودرج إذا هو يخاصم ربه تعالى ويكذبه ويحارب رسله وهو إنما خلق ليكون عبدا لا ضدا كقوله تعالى " وهو الذي خلق من الماء بشرا فجعله نسبا وصهرا وكان ربك قديرا * ويعبدون من دون الله ما لا ينفعهم ولا يضرهم وكان الكافر على ربه ظهيرا " وقوله " أولم ير الانسان أنا خلقناه من نطفة فإذا هو خصيم مبين * وضرب لنا مثلا ونسي خلقه قال من يحيي العظام وهي رميم * قل يحييها الذي أنشأها أول مرة وهو بكل خلق عليم " وفي الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن ماجة عن بشر بن جحاش قال: بصق رسول الله في كفه ثم قال " يقول الله تعالى: ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك فعدلتك مشيت بين برديك وللأرض منك وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت الحلقوم قلت أتصدق؟ وأنى أوان الصدقة؟ ".
والانعام خلقها لكم فيها دف ء ومنافع ومنها تأكلون (5) ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون (6) وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم (7) يمتن تعالى على عباده بما خلق لهم من الانعام وهي الإبل والبقر والغنم كما فصلها في سورة الأنعام إلى ثمانية أزواج وبما جعل لهم فيها من المصالح والمنافع من أصوافها وأوبارها وأشعارها يلبسون ويفترشون ومن ألبانها يشربون ويأكلون من أولادها وما لهم فيها من الجمال وهو الزينة ولهذا قال " ولكم فيها جمال حين تريحون " وهو وقت رجوعها عشيا من المرعى فإنها تكون أمده خواصر وأعظمه ضروعا وأعلاه أسنمة " وحين تسرحون " أي غدوة حين تبعثونها إلى المرعى " وتحمل أثقالكم " وهي الأحمال الثقيلة التي تعجزون عن نقلها وحملها " إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس " وذلك في الحج والعمرة والغزو والتجارة وما جرى مجرى ذلك تستعملونها في أنواع الاستعمال من ركوب وتحميل كقوله " وإن لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون " وقال تعالى " الله الذي جعل لكم الانعام لتركبوا منها ومنها تأكلون * ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون * ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون " ولهذا قال ههنا بعد تعداد هذه النعم " إن ربكم لرؤوف رحيم " أي ربكم الذي قيض لكم هذه الانعام وسخرها لكم كقوله " أولم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون * وذللناها لهم