رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يرفع أصبعه عند الموت ويقول " اللهم في الرفيق الاعلى " ثلاثا ويحتمل أن سأل الوفاة على الاسلام واللحاق بالصالحين إذا جاء أجله وانقضى عمره لا أنه سأله ذلك منجزا كما يقول الداعي لغيره أماتك الله على الاسلام ويقول الداعي اللهم أحينا مسلمين وتوفنا مسلمين وألحقنا بالصالحين ويحتمل أنه سأل ذلك منجزا وكان ذلك سائغا في ملتهم كما قال قتادة قوله " توفني مسلما وألحقني بالصالحين " لما جمع الله شمله وأقر عينه وهو يومئذ مغمور في الدنيا وملكها ونضارتها اشتاق إلى الصالحين قبله وكان ابن عباس يقول ما تمنى نبي قط الموت قبل يوسف عليه السلام وكذا ذكر ابن جرير والسدي عن ابن عباس أنه أول نبي دعا بذلك وهذا يحتمل أنه أول من سأل الوفاة على الاسلام كما أن نوحا أو من قال " رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا " ويحتمل أنه أول من سأل إنجاز ذلك وهو ظاهر سياق قول قتادة ولكن هذا لا يجوز في شريعتنا قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله حدثنا إسماعيل بن إبراهيم حدثنا عبد العزيز بن صهيب عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به فإن كان ولابد متمنيا الموت فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي " وأخرجاه في الصحيحين وعندهما " لا يتمنين أحدكم الموت بضر نزل به إن كان محسنا فيزداد وإن كان مسيئا فلعله يستعتب ولكن ليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيرا لي وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي " وقال الإمام أحمد حدثنا أبو المغيرة حدثنا معاذ بن رفاعة حدثني علي بن يزيد عن القاسم عن أبي أمامة قال: جلسنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكرنا ورققنا فبكى سعد بن أبي وقاص فأكثر البكاء وقال يا ليتني مت فقال النبي صلى الله عليه وسلم " يا سعد أعندي تتمنى الموت؟ " فردد ذلك ثلاث مرات ثم قال " يا سعد إن كنت خلقت للجنة فما طال من عمرك وحسن من عملك فهو خير لك ".
وقال الإمام أحمد حدثنا حسن حدثنا ابن لهيعة حدثنا أبو يونس هو مسلم بن جبير عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ولا يدع به من قبل أن يأتيه إلا أن يكون قد وثق بعمله فإنه إذا مات أحدكم انقطع عنه عمله وإنه لا يزيد المؤمن عمله إلا خيرا ". تفرد به أحمد وهذا فيما إذا كان الضر خاصا به وأما إذا كان فتنة في الدين فيجوز سؤال الموت كما قال الله تعالى إخبارا عن السحرة لما أرادهم فرعون عن دينهم وتهددهم بالقتل " قالوا ربنا أفرغ علينا صبرا وتوفنا مسلمين " وقالت مريم لما جاءها المخاض وهو الطلق إلى جذع النخلة " يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا " لما علمت من أن الناس يقذفونها بالفاحشة لأنها لم تكن ذات زوج وقد حملت ووضعت وقد قالوا " يا مريم لقد جئت شيئا فريا * يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا " فجعل الله لها من ذلك الحال فرجا ومخرجا وأنطق الصبي في المهد بأنه عبد الله ورسوله فكان آية عظيمة ومعجزة باهرة صلوات الله وسلامه عليه وفى حديث معاذ الذي رواه الإمام أحمد والترمذي في قصة المنام والدماء الذي فيه " وإذا أردت بقوم فتنة فاقبضني إليك غير مفتون ".
وقال الإمام أحمد حدثنا أبو سلمة أنا عبد العزيز بن محمد عن عمرو بن عاصم عن كثير بن قتادة عن محمود بن لبيد مرفوعا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " اثنتان يكرههما ابن آدم: يكره الموت والموت خير للمؤمن من الفتن ويكره قلة المال وقلة المال أقل للحساب " فعند حلول الفتن في الدين يجوز سؤال الموت ولهذا قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه في آخر خلافته لما رأى أن الأمور لا تجتمع له ولا يزداد الامر إلا شدة فقال: اللهم خذني إليك فقد سئمتهم وسئموني وقال البخاري رحمه الله لما وقعت له تلك الفتنة وجرى له مع أمير خراسان ما جرى قال:
اللهم توفني إليك وفي الحديث " إن الرجل ليمر بالقبر أي في زمان الدجال فيقول يا ليتني مكانك " لما يرى من الفتن والزلازل والبلابل والأمور الهائلة التي هي فتنة لكل مفتون قال أبو جعفر بن جرير: وذكر أن بني يعقوب الذين فعلوا بيوسف ما فعلوا استغفر لهم أبوهم فتاب الله عليهم وعفا عنهم وغفر لهم ذنوبهم.