كنت مكانه ما أجبتهم حتى أشترط أن يخرجوني ولقد عجبت من يوسف وصبره وكرمه والله يغفر له حين أتاه الرسول ولو كنت مكانه لبادرتهم الباب ولكنه أراد أن يكون له العذر " هذا حديث مرسل وقوله تعالى " قال ما خطبكن إذ راودتن يوسف عن نفسه " إخبار عن الملك حين جمع النسوة اللاتي قطعن أيديهن عند امرأة العزيز فقال مخاطبا لهن كلهن وهو يريد امرأة وزيره وهو العزيز قال الملك للنسوة اللاتي قطعن أيديهن " ما خطبكن " أي شأنكن وخبرنكن " إذ راودتن يوسف عن نفسه " يعني يوم الضيافة " قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء " أي قالت النسوة جوابا للملك حاش لله أن يكون يوسف متهما والله ما علمنا علية من سوء فعند ذلك " قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق " قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: تقول الآن تبين الحق وظهر وبرز " أنا راودته عن نفسه وإنه لمن الصادقين " أي في قوله " هي راودتني عن نفسي " " ذلك ليعلم أني لم أخنه بالغيب " تقول إنما اعترفت بهذا على نفسي ليعلم زوجي أني لم أخنه بالغيب في نفس الامر ولا وقع المحذور الأكبر وإنما راودت هذا الشاب مراودة فامتنع فلهذا اعترفت ليعلم أني بريئة " وأن الله لا يهدي كيد الخائنين * وما أبرئ نفسي " تقول المرأة ولست أبرئ نفسي فإن النفس تتحدث وتتمنى ولهذا راودته لان " النفس لامارة بالسوء إلا ما رحم ربي " أي إلا من عصمه الله تعالى " إن ربي غفور رحيم " وهذا القول هو الأشهر والأليق والأنسب بسياق القصة ومعاني الكلام وقد حكاه الماوردي في تفسيره وانتدب لنصره الإمام أبو العباس ابن تيمية رحمه الله فأفرده بتصنيف على حدة وقد قيل إن ذلك من كلام يوسف عليه السلام يقول " قال ليعلم أني لم أخنه " في زوجته " بالغيب " الآيتين أي إنما رددت الرسول ليعلم الملك براءتي وليعلم العزيز " أني لم أخنه " في زوجته " بالغيب وأن الله لا يهدي كيد الخائنين " الآية وهذا القول هو الذي لم يحك ابن جرير ولا ابن أبي حاتم سواه قال ابن جرير: حدثنا أبو كريب حدثنا وكيع عن إسرائيل عن سماك عن عكرمة عن ابن عباس قال:
لما جمع الملك النسوة فسألهن هل راودتن يوسف عن نفسه؟ " قلن حاش لله ما علمنا عليه من سوء قالت امرأة العزيز الآن حصحص الحق " الآية قال يوسف " ذلك ليعلم أنى لم أخنه بالغيب " فقال له جبريل عليه السلام: ولا يوم هممت بما هممت به؟ فقال " وما أبرئ نفسي " الآية وهكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وابن أبي الهذيل والضحاك والحسن وقتادة والسدي والقول الأول أقوى وأظهر لان سياق الكلام كله من كلام امرأة العزيز بحضرة الملك ولم يكن يوسف عليه السلام عندهم بل بعد ذلك أحضره الملك.
وقال الملك ائتوني به أستخلصه لنفسي فلما كلمه قال إنك اليوم لدينا مكين أمين (54) قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم (55) يقول تعالى إخبارا عن الملك حين تحقق براءة يوسف عليه السلام ونزاهة عرضه مما نسب إليه قال " ائتوني به أستخلصه لنفسي " أي أجعله من خاصتي وأهل مشورتي " فلما كلمه " أي خاطبه الملك وعرفه رأى فضله وبراعته وعلم ما هو عليه من خلق وخلق وكمال قال له الملك " إنك اليوم لدينا مكين أمين " أي إنك عندنا قد بقيت ذا مكانة وأمانة فقال يوسف عليه السلام " اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم " مدح نفسه ويجوز للرجل ذلك إذا جهل أمر للحاجة وذكر أنه " حفيظ " أي خازن أمين " عليم " ذو علم وبصيرة بما يتولاه وقال شيبة بن نعامة: حفيظ لما استودعتني عليم بسني الجدب رواه ابن أبي حاتم وسأل العمل لعلمه بقدرته عليه ولما فيه من المصالح للناس وإنما سأله أن يجعله على خزائن الأرض وهي الاهرام التي يجمع فيها الغلات لما يستقبلونه من السنين التي أخبرهم بشأنها فيصرف لهم على الوجه الأحوط والأصلح والأرشد فأجيب إلى ذلك رغبة فيه وتكرمة له ولهذا قال تعالى: