يقول تعالى مخبرا عن يوسف عليه السلام أنه لما ذكر له إخوته ما أصابهم من الجهد والضيق وقلة الطعام وعموم الجدب وتذكر أباه وما هو فيه من الحزن لفقد ولديه مع ما هو فيه من الملك والتصرف والسعة فعند ذلك أخذته رقة ورأفة ورحمة وشفقة على أبيه وإخوته وبدره البكاء فتعرف إليهم فيقال إنه رفع التاج عن جبهته وكان فيها شامة وقال " هل علمتم ما فعلتم بيوسف وأخيه إذ أنتم جاهلون " أعني كيف فرقوا بينه وبين أخيه " إذ أنتم جاهلون " أي إنما حملكم على هذا الجهل بمقدار هذا الذي ارتكبتموه كما قال بعض السلف كل من عصى الله فهو جاهل وقرأ " ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهالة " الآية والظاهر والله أعلم أن يوسف عليه السلام إنما تعرف إليهم بنفسه بإذن الله تعالى له في ذلك كما أنه إنما أخفى منهم نفسه في المرتين الأوليين بأمر الله تعالى له في ذلك والله أعلم ولكن لما ضاق الحال واشتد الامر فرج الله تعالى من ذلك الضيق كما قال تعالى " فإن مع العسر يسر إن مع العسر يسرا " فعند ذلك قالوا " أئنك لانت يوسف " وقرأ أبي بن كعب " إنك لانت يوسف " وقرأ ابن محيصن " أنت يوسف " والقراءة المشهورة هي الأولى لان الاستفهام يدل على الاستعظام أي أنهم تعجبوا من ذلك أنهم يترددون إليه من سنتين وأكثر وهم لا يعرفونه وهو مع هذا يعرفهم ويكتم نفسه فلهذا قالوا على سبيل الاستفهام " أئنك لانت يوسف قال أنا يوسف وهذا أخي " وقوله " قد من الله علينا " أي يجمعه بيننا بعد التفرقة وبعد المدة " إنه من يتق ويصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين * قالوا تالله لقد آثرك الله علينا " الآية. يقولون معترفين له بالفضل والأثرة عليهم في الخلق والخلق والسعة والملك والتصرف والنبوة أيضا على قول من لم يجعلهم أنبياء وأقروا بأنهم أساءوا إليه وأخطأوا في حقه " قال لا تثريب عليكم اليوم " يقول أي لا تأنيب عليكم ولا عتب عليكم اليوم ولا أعيد عليكم ذنبكم في حقي بعد اليوم ثم زادهم الدعاء لهم بالمغفرة فقال " يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين " قال السدي اعتذروا إلى يوسف فقال " لا تثريب عليكم اليوم " يقول لا أذكر لكم ذنبكم وقال ابن إسحاق والثوري " لا تثريب عليكم " أي لا تأنيب عليكم اليوم عندي فيما صنعتم " يغفر الله لكم " أي يستر الله عليكم فيما فعلتم " وهو أرحم الراحمين ".
اذهبوا بقميصي هذا فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا وأتوني بأهلكم أجمعين (93) ولما فصلت العير قال أبوهم إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون (94) قالوا تالله إنك لفي ضلالك القديم (95) يقول اذهبوا بهذا القميص " فألقوه على وجه أبي يأت بصيرا " وكان قد عمي من كثرة البكاء " وأتوني بأهلكم أجمعين " أي بجميع بني يعقوب " ولما فصلت العير " أي خرجت من مصر " قال أبوهم " يعني يعقوب عليه السلام لمن بقي عنده من بنيه " إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون " تنسبوني إلى الفند والكبر قال عبد الرزاق أنبأنا إسرائيل عن أبي سنان عن عبد الله بن أبي الهذيل قال سمعت ابن عباس يقول: ولما فصلت العير قال لما خرجت العير هاجت ريح فجاءت يعقوب بريح قميص يوسف فقال " إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون " قال فوجد ريحه من مسيرة ثمانية أيام وكذا رواه سفيان الثوري وشعبة وغيرهما عن ابن سنان به وقال الحسن وابن جريج كان بينهما ثمانون فرسخا وكان بينه وبينه منذ افترقا ثمانون سنة وقوله " لولا أن تفندون " قال ابن عباس ومجاهد وعطاء وقتادة وسعيد بن جبير تسفهون وقال مجاهد أيضا والحسن تهرمون وقولهم (إنك لفي ضلالك القديم " قال ابن عباس لفي خطئك القديم وقال قتادة أي من حب يوسف لا تنساه ولا تسلاه قالوا لوالدهم كلمة غليظة لم يكن ينبغي لهم أن يقولوها لوالدهم وكنا لنبي الله صلى الله عليه وسلم وكذا قال السدي وغيره.
فلما أن جاء البشير ألقاه على وجهه فارتد بصيرا قال ألم أقل لكم إني أعلم من الله ما لا تعلمون (96) قالوا يا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنا كنا خاطئين (97) قال سوف أستغفر لكم ربي إنه هو الغفور الرحيم (99)