آمنوا وإلا عاجلتهم بالعقوبة. ولهذا لما خير رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين إعطائهم ما سألوا فإن آمنوا وإلا عذبوا وبين إنظارهم اختار إنظارهم كما حلم عنهم غير مرة رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ولهذا قال تعالى إرشادا لنبيه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم إلى الجواب عما سألوا " فقل إنما الغيب لله " أي الامر كله لله وهو يعلم العواقب في الأمور " فانتظروا إني معكم من المنتظرين " أي إن كنتم لا تؤمنون حتى تشاهدوا ما سألتم فانتظروا حكم الله في وفيكم. هذا مع أنهم قد شاهدوا من آياته صلى الله عليه وسلم أعظم مما سألوا حين أشار بحضرتهم إلى القمر ليلة إبداره فانشق اثنتين فرقة من وراء الجبل وفرقة من دونه. وهذا أعظم من سائر الآيات الأرضية مما سألوا وما لم يسألوا ولو علم الله منهم أنهم سألوا ذلك استرشادا وتثبيتا لأجابهم ولكن علم أنهم إنما يسألون عنادا وتعنتا فتركهم فيما رابهم وعلم أنهم لا يؤمن منهم أحد كقوله تعالى " إن الذين حقت عليهم كلمة ربك لا يؤمنون ولو جاءتهم كل آية " الآية وقوله تعالى " ولو أننا نزلنا إليهم الملائكة وكلمهم الموتى وحشرنا عليهم كل شئ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء الله " الآية ولما فيهم من المكابرة كقوله تعالى " ولو فتحنا عليهم بابا من السماء " الآية وقوله تعالى " وإن يروا كسفا من السماء ساقطا " الآية وقال تعالى " ولو نزلنا عليك كتابا في قرطاس فلمسوه بأيديهم لقال الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين " فمثل هؤلاء أقل من أن يجابوا إلى ما سألوه لأنه لا فائده في جوابهم لأنه دائر على تعنتهم وعنادهم لكثرة فجورهم وفسادهم ولهذا قال " فانتظروا إني معكم من المنتظرين ".
وإذا أذقنا الناس رحمة من بعد ضراء مستهم إذا لهم مكر في آياتنا قل الله أسرع مكرا إن رسلنا يكتبون ما تمكرون (21) هو الذي يسيركم في البر والبحر حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها جاءتها ريح عاصف وجاءهم الموج من كل مكان وظنوا أنهم أحيط بهم دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين (22) فلما أنجاهم إذا هم يبغون في الأرض بغير الحق يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم متاع الحياة الدنيا ثم إلينا مرجعكم فننبئكم بما كنتم تعملون (23) يخبر تعالى أنه إذا أذاق الناس رحمة من بعد ضراء مستهم كالرخاء بعد الشدة والخصب بعد الجدب والمطر بعد القحط ونحو ذلك " إذا لهم مكر في آياتنا " قال مجاهد استهزاء وتكذيب كقوله " وإذا مس الانسان الضر دعانا لجنبه أو قاعدا أو قائما " الآية وفي الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى بهم الصبح على أثر سماء كانت من الليل أي مطر ثم قال " هل تدرون ماذا قال ربكم الليلة؟ " قالوا الله ورسوله أعلم قال " قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذاك مؤمن بي كافر بالكوكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب " وقوله " قل الله أسرع مكرا " أي أشد استدراجا وإمهالا حتى يظن الظان من المجرمين أنه ليس بمعذب وإنما هو في مهلة ثم يؤخذ على غرة منه والكاتبون الكرام يكتبون عليه جميع ما يفعله ويحصونه عليه ثم يعرضون على عالم الغيب والشهادة فيجازيه على الجليل والحقير والنقير والقطمير، ثم أخبر تعالى أنه " هو الذي يسيركم في البر والبحر " أي يحفظكم ويكلؤكم بحراسته " حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم بريح طيبة وفرحوا بها " أي بسرعة سيرهم رافقين فبينما هم كذلك إذ " جاءتها " أي تلك السفن " ريح عاصف " أي شديدة " وجاءهم الموج من كل مكان " أي اغتلم البحر عليهم " وظنوا أنهم أحيط بهم " أي هلكوا " دعوا الله مخلصين له الدين " أي لا يدعون معه صنما ولا وثنا بل يفردونه بالدعاء والابتهال كقوله تعالى " وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه فلما نجاكم إلى البر أعرضتم وكان