من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون * وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء " الآية وقوله في هذه الآية إخبارا عن قول الشركاء فيما راجعوا فيه عابديهم عند ادعائهم عبادتهم (فكفى بالله شهيدا بيننا وبينكم) الآية: أي ما كنا نشعر بها ولا نعلم بها وإنما كنتم تعبدوننا من حيث لا ندري بكم والله شهيد بيننا وبينكم أنا ما دعوناكم إلى عبادتنا ولا أمرناكم بها ولا رضينا منكم بذلك وفي هذا تبكيت عظيم للمشركين الذين عبدوا مع الله غيره ممن لا يسمع ولا يبصر ولا يغني عنهم شيئا ولم يأمرهم بذلك ولا رضي به ولا أراده بل تبرأ منهم وقت أحوج ما يكونون إليه وقد تركوا عبادة الحي القيوم السميع البصير القادر على كل شئ العليم بكل شئ وقد أرسل رسله وأنزل كتبه آمرا بعبادته وحده لا شريك له ناهيا عن عبادة ما سواه كما قال تعالى " ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة " وقال تعالى " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون " وقال " واسأل من أرسلنا قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون " والمشركون أنواع وأقسام قد ذكرهم الله في كتابه وبين أحوالهم وأقوالهم ورد عليهم فيما هم فيه أتم رد قوله تعالى (هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت) أي في موقف الحساب يوم القيامة تختبر كل نفس وتعلم ما سلف من عملها من خير وشر كقوله تعالى " يوم تبلى السرائر " وقال تعالى " ينبأ الانسان يومئذ بما قدم وأخر " وقال تعالى " ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا * اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا " وقد قرأ بعضهم " هنالك تبلو كل نفس ما أسلفت " وفسرها بعضهم بالقراءة وفسرها بعضهم بمعنى تتبع ما قدمت من خير وشر وفسرها بعضهم بحديث " لتتبع كل أمة ما كانت تعبد فيتبع من كان يعبد الشمس الشمس ويتبع من كان يعبد القمر القمر ويتبع من كان يعبد الطواغيت الطواغيت " الحديث وقوله " وردوا إلى الله مولاهم الحق " أي ورجعت الأمور كلها إلى الله الحكم العدل ففصلها وأدخل أهل الجنة الجنة وأهل النار النار " وضل عنهم " أي ذهب عن المشركين " ما كانوا يفترون " أي ما كانوا يعبدون من دون الله افتراء عليه.
قل من يرزقكم من السماء والأرض أمن يملك السمع والابصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الامر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون (31) فذلكم الله ربكم الحق فماذا بعد الحق إلا الضلال فأنى تصرفون (32) كذلك حقت كلمت ربك على الذين فسقوا أنهم لا يؤمنون (33) يحتج تعالى على المشركين باعترافهم بوحدانيته وربوبيته على وحدانية وإلاهيته فقال تعالى " قل من يرزقكم من السماء والأرض " أي من ذا الذي ينزل من السماء ماء المطر فيشق الأرض شقا بقدرته ومشيئته فيخرج منها " حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا " أإله مع الله؟ فسيقولون الله " أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه " وقوله " أمن يملك السمع والابصار " أي الذي وهبكم هذه القوة السامعة والقوة الباصرة ولو شاء لذهب بها ولسلبكم إياها كقوله تعالى " قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والابصار " الآية وقال " قل أرأيتم إن أخذ الله سمعكم وأبصاركم " الآية وقوله " ومن يخرج الحي من الميت من ويخرج الميت من الحي " أي بقدرته العظيمة ومنته العميمة، وقد تقدم ذكر الخلاف في ذلك وأن الآية عامة لذلك كله وقوله " ومن يدبر الامر " أي من بيده ملكوت كل شئ وهو يجير ولا يجار عليه وهو المتصرف الحاكم الذي لا معقب لحكمه ولا يسئل عما يفعل وهم يسئلون " يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن " فالملك كله العلوي والسفلي وما فيهما من ملائكة وإنس وجان فقيرون إليه عبيد له خاضعون لديه " فسيقولون الله " أي وهم يعلمون ذلك ويعترفون به " فقل أفلا تتقون " أي أفلا تخافون منه أن تعبدوا معه غيره بآرائكم وجهلكم. وقوله