كانوا لا يبصرون (43) إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون (44) يقول تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم وإن كذبك هؤلاء المشركون فتبرأ منهم ومن عملهم " فقل لي عملي ولكم عملكم " كقوله تعالى " قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون " إلى آخرها، وقال إبراهيم الخليل وأتباعه لقومهم المشركين " إنا برآء منكم ومما تعبدون من دون الله " الآية وقوله " ومنهم من يستمعون إليك " أي يسمعون كلامك الحسن والقرآن العظيم والأحاديث الصحيحة الفصيحة النافعة في القلوب والأديان والابدان وفي هذا كفاية عظيمة، ولكن ليس ذلك إليك ولا إليهم فإنك لا تقدر على إسماع الأصم وهو الأطرش فكذلك لا تقدر على هداية هؤلاء إلا أن يشاء الله " ومنهم من ينظر إليك " أي ينظرون إليك وإلى ما أعطاك الله من التؤدة والسمت الحسن والخلق العظيم والدلالة الظاهرة على نبوتك لاولي البصائر والنهى وهؤلاء ينظرون كما ينظر غيرهم ولا يحصل لهم من الهداية شئ كما يحصل لغيرهم بل المؤمنون ينظرون إليك بعين الوقار وهؤلاء الكفار ينظرون إليك بعين الاحتقار " وإذا رأوك إن يتخذونك إلا هزوا " الآية ثم أخبر تعالى أنه لا يظلم أحدا شيئا وإن كان قد هدى به من هدى وبصر به من العمى وفتح به أعينا عميا وآذانا صما وقلوبا غلفا وأضل به عن الايمان آخرين فهو الحاكم المتصرف في ملكه بما يشاء الذي لا يسئل عما يفعل وهم يسئلون لعلمه وحكمته وعدله. ولهذا قال تعالى " إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون " وفي الحديث عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه عز وجل " يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا - إلى أن قال في آخره - يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه " رواه مسلم بطوله.
ويوم يحشرهم كأن لم يلبثوا إلا ساعة من النهار يتعارفون بينهم قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين (45) يقول تعالى مذكرا للناس قيام الساعة وحصرهم من أجداثهم إلى عرصات القيامة " ويوم يحشرهم " الآية كقوله " كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار " وكقوله " كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحاها " وقال تعالى " يوم ينفخ في الصور * ونحشر المجرمين يومئذ زرقا * يتخافتون بينهم إن لبثتم إلا عشرا * نحن أعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة إن لبثتم إلا يوما " وقال تعالى " ويوم تقوم الساعة يقسم المجرمون ما لبثوا غير ساعة " الآيتين وهذا كله دليل على استقصار الحياة الدنيا في الدار الآخرة كقوله " قال كم لبثتم في الأرض عدد سنين قالوا لبثنا يوما أو بعض يوم فاسأل العادين * قال إن لبثتم إلا قليلا لو أنكم كنتم تعلمون " وقوله " يتعارفون بينهم " أي يعرف الأبناء والآباء والقرابات بعضهم لبعض كما كانوا في الدنيا ولكن كل مشغول بنفسه " فإذا نفخ في الصور فلا أنساب بينهم " الآية وقال تعالى " ولا يسأل حميم حميما " الآيات، وقوله " قد خسر الذين كذبوا بلقاء الله وما كانوا مهتدين " كقوله تعالى " ويل للمكذبين " لانهم خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين ولا خسارة أعظم من خسارة من فرق بينه وبين أحبته يوم الحسرة والندامة.
وإما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فإلينا مرجعهم ثم الله شهيد على ما يفعلون (46) ولكل أمة رسول فإذا جاء رسولهم قضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون (47) يقول تعالى مخاطبا لرسوله صلى الله عليه وسلم " وإما نرينك بعض الذي نعدهم " أي ننتقم منهم في حياتك لتقر عينك منهم