عليك - وقال - هل تنتج إبلك صحاحا آذانها فتعمد إلى موسى فتقطع آذانها فتقول هذه بحر وتشق جلودها وتقول هذه صرم وتحرمها عليك وعلى أهلك " قال نعم قال " فإن ما آتاك الله لك حل ساعد الله أشد من ساعدك وموسى الله أحد من موساك " وذكر تمام الحديث ثم رواه عن سفيان بن عيينة عن أبي الزعراء عمرو بن عمرو عن عمه أبي الأحوص وعن بهز بن أسد عن حماد بن سلمة عن عبد الملك بن عمير عن أبي الأحوص به وهذا حديث جيد قوي الاسناد وقد أنكر الله تعالى على من حرم ما أحل الله أو أحل ما حرم بمجرد الآراء والأهواء التي لا مستند لها ولا دليل عليها ثم توعدهم على ذلك يوم القيامة فقال " وما ظن الذين يفترون على الله الكذب يوم القيامة " أي ما ظنهم أن يصنع بهم يوم مرجعهم إلينا يوم القيامة وقوله " إن الله لذو فضل على الناس " قال ابن جرير في تركه معاجلتهم بالعقوبة في الدنيا " قلت " ويحتمل أن يكون المراد لذو فضل على الناس فيما أباح لهم مما خلقه من المنافع في الدنيا ولم يحرم عليهم إلا ما هو ضار لهم في دنياهم أو دينهم " ولكن أكثرهم لا يشكرون " بل يحرمون ما أنعم الله به عليهم ويضيقون على أنفسهم فيجعلون بعضا حلالا وبعضا حراما. وهذا قد وقع فيه المشركون فيما شرعوه لأنفسهم وأهل الكتاب فيما ابتدعوه في دينهم. وقال ابن أبي حاتم في تفسير هذه الآية: حدثنا أبي حدثنا أحمد بن أبي الحواري حدثنا رباح حدثنا عبد الله بن سليمان حدثنا موسى بن الصباح في قوله عز وجل " إن الله لذو فضل على الناس " قال إذا كان يوم القيامة يؤتى بأهل ولاية الله عز وجل فيقومون بين يدي الله عز وجل ثلاثة أصناف فيؤتى برجل من الصنف الأول فيقول: عبدي لماذا عملت؟ فيقول يا رب خلقت الجنة وأشجارها وثمارها وأنهارها وحورها ونعيمها وما أعددت لأهل طاعتك فيها فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري شوقا إليها - قال - فيقول الله تعالى عبدي إنما عملت للجنة هذه الجنة فأدخلها ومن فضلي عليك قد أعتقتك من النار ومن فضلي عليك أن أدخلك جنتي فيدخل ومن معه الجنة - قال - ثم يؤتي برجل من الصنف الثاني فيقول عبدي لماذا عملت؟ فيقول يا رب خلقت نارا وخلقت أغلالها وسعيرها وسمومها ويحمومها وما أعددت لأعدائك وأهل معصيتك فيها فأسهرت ليلي وأظمأت نهاري خوفا منها فيقول عبدي إنما عملت ذلك خوفا من ناري فإني قد أعتقتك من النار ومن فضلي عليك أن أدخلك جنتي فيدخل ومن معه الجنة.
ثم يؤتي برجل من الصنف الثالث فيقول عبدي لماذا عملت؟ فيقول رب حبا لك وشوقا إليك وعزتك لقد أسهرت ليلى وأظمأت نهاري شوقا إليك وحبا لك فيقول تبارك وتعالى: عبدي إنما عملت حبا لي وشوقا إلي فيتجلى له الرب جل جلاله ويقول ها أنا ذا فانظر إلي ثم يقول من فضلي عليك أن أعتقك من النار وأبيحك جنتي وأزيرك ملائكتي وأسلم عليك بنفسي فيدخل هو ومن معه الجنة.
وما تكون في شأن وما تتلوا منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه وما يعزب عن ربك من مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر إلا في كتاب مبين (61) يخبر تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم أنه يعلم جميع أحواله وأحوال أمته وجميع الخلائق في كل ساعة وأوان ولحظة وأنه لا يعزب عن علمه وبصره مثقال ذرة في حقارتها وصغرها في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر منها ولا أكبر إلا في كتاب مبين كقوله " وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين " فأخبر تعالى أنه يعلم حركة الأشجار وغيرها من الجمادات وكذلك الدواب السارحة في قوله " وما من دابة في الأرض ولا طائر يطير بجناحيه إلا أمم أمثالكم " الآية وقال تعالى " وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها " الآية وإذا كان هذا علمه بحركات هذه الأشياء فكيف علمه بحركات المكلفين المأمورين بالعبادة كما قال تعالى " وتوكل على العزيز الرحيم الذي يراك حين تقوم وتقلبك في الساجدين " ولهذا قال تعالى " وما تكون في شأن وما تتلو منه من قرآن ولا تعملون من عمل إلا كنا عليكم شهودا إذ تفيضون فيه " أي إذ تأخذون في ذلك الشئ نحن مشاهدون لكم راؤون سامعون