المؤمنين أعزة على الكافرين " وقوله تعالى " محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم " وقال تعالى " يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين وأغلظ عليهم " وفي الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " أنا الضحوك القتال " يعني أنه ضحوك في وجه وليه قتال لهامة عدوه وقوله " واعلموا أن الله مع المتقين " أي قاتلوا الكفار وتوكلوا على الله واعلموا أن الله معكم إذا اتقيتموه وأطعتموه وهكذا الامر لما كانت القرون الثلاثة الذين هم خير هذه الأمة في غاية الاستقامة والقيام بطاعة الله تعالى لم يزالوا ظاهرين على عدوهم. ولم تزل الفتوحات كثيرة ولم تزل الأعداء في سفال وخسار ثم لما وقعت الفتن والأهواء والاختلافات بين الملوك طمع الأعداء في أطراف البلاد وتقدموا إليها فلم يمانعوا لشغل الملوك بعضهم ببعض ثم تقدموا إلى حوزة الاسلام فأخذوا من الأطراف بلدانا كثيرة ثم لم يزالوا حتى استحوذوا على كثير من بلاد الاسلام ولله الامر من قبل ومن بعد، فكلما قام ملك من ملوك الاسلام وأطاع أوامر الله وتوكل على الله فتح الله عليه من البلاد واسترجع من الأعداء بحسبه وبقدر ما فيه من ولاية الله والله المسؤول المأمول أن يمكن المسلمين من نواصي أعدائه الكافرين وأن يعلي كلمتهم في سائر الأقاليم إنه جواد كريم.
وإذا ما أنزلت سورة فمنهم من يقول أيكم زادته هذه إيمانا فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون (124) وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون (125) يقول تعالى " وإذا ما أنزلت سورة " فمن المنافقين " من يقول أيكم زادته هذه إيمانا " أي يقول بعضهم لبعض أيكم زادته هذه السورة إيمانا قال الله تعالى " فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون " وهذه الآية من أكبر الدلائل على أن الايمان يزيد وينقص كما هو مذهب أكثر السلف والخلف من أئمة العلماء. بل قد حكى غير واحد الاجماع على ذلك. وقد بسطت الكلام على هذه المسألة في أول شرح البخاري رحمه الله " وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم " أي زادتهم شكا إلى شكهم وريبا إلى ريبهم كما قال تعالى " وننزل من القرآن ما هو شفاء " الآية وقوله " قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد " وهذا من جملة شقائهم أن ما يهدي القلوب يكون سببا لضلالهم ودمارهم كما أن سئ المزاج لو غذي بما غذي به لا يزيده إلا خبالا ونقصا.
أو لا يرون أنهم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون (126) وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون (127) يقول تعالى أو لا يرى هؤلاء المنافقون " أنهم يفتنون " أي يختبرون " في كل عام مرة أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون " أي لا يتوبون من ذنوبهم السالفة ولا هم يذكرون فيما يستقبل من أحوالهم قال مجاهد:
يختبرون بالسنة والجوع. وقال قتادة: بالغزو في السنة مرة أو مرتين. وقال شريك عن جابر عن الجعفي عن أبي الضحى عن حذيفة في قوله " أو لا يرون أنكم يفتنون في كل عام مرة أو مرتين " قال كنا نسمع في كل عام كذبة أو كذبتين فيضل بها فئام من الناس كثير رواه ابن جرير. وفي الحديث عن أنس: لا يزداد الامر إلا شدة ولا يزداد الناس إلا شحا وما من عام إلا والذي بعده شر منه. سمعته من نبيكم صلى الله عليه وسلم وقوله " وإذا ما أنزلت سورة نظر بعضهم إلى بعض هل يراكم من أحد ثم انصرفوا صرف الله قلوبهم بأنهم قوم لا يفقهون " هذا أيضا إخبار عن المنافقين أنهم إذا أنزلت سورة على رسول الله صلى الله عليه وسلم " نظر بعضهم إلى بعض " أي تلفتوا " هل يراكم من أحد ثم انصرفوا " أي تولوا عن الحق وانصرفوا عنه وهذا حالهم في الدنيا لا يثبتون عند الحق ولا يقبلونه ولا