هو واقع في الآية والآخر يقول لا يجب الترتيب مطلقا والآية دلت على وجوب غسل الوجه ابتداء فوجب الترتيب فيما بعده لاجماع الا فارق ومنهم من قال لا نسلم أن الواو لا تدل على الترتيب بل هي دالة كما هو مذهب طائفة من النحاة وأهل اللغة وبعض الفقهاء ثم نقول بتقدير تسليم كونها لا تدل على الترتيب اللغوي هي دالة على الترتيب شرعا فيما من شأنه أن يرتب والدليل على ذلك أنه صلى الله عليه وسلم لما طاف بالبيت خرج من باب الصفا وهو يتلو قوله تعالى " إن الصفا والمروة من شعائر الله " ثم قال: " أبدأ بما بدأ الله به " لفظ مسلم ولفظ النسائي " ابدؤا بما بدأ الله به " وهذا لفظ أمر وإسناده صحيح فدل على وجوب البداءة بما بدأ الله به وهو معنى كونها تدل على الترتيب شرعا والله أعلم. ومنهم من قال لما ذكر الله تعالى هذه الصفة في هذه الآية على هذا الترتيب فقطع النظير عن النظير وأدخل الممسوح بين المغسولين دل ذلك على إرادة الترتيب ومنهم من قال لا شك أنه قد روى أبو داود وغيره من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم توضأ مرة مرة ثم قال: " هذا وضوء لا يقبل الله الصلاة إلا به " قالوا: فلا يخلو إما أن يكون توضأ مرتبا فيجب الترتيب أو يكون توضأ غير مرتب فيجب عدم الترتيب ولا قائل به فوجب ما ذكرناه وأما القراءة الأخرى وهي قراءة من قرأ وأرجلكم بالخفض فقد احتج بها الشيعة في قولهم بوجوب مسح الرجلين لأنها عندهم معطوفة على مسح الرأس وقد روي عن طائفة من السلف ما يوهم القول بالمسح فقال ابن جرير: حدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا ابن علية حدثنا حميد قال قال موسى بن أنس لأنس ونحن عنده يا أبا حمزة إن الحجاج خطبنا بالأهواز ونحن معه فذكر الطهور فقال اغسلوا وجوهكم وأيديكم وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم وأنه ليس شئ من ابن آدم أقرب من خبثه من قدميه فاغسلوا بطونهما وظهورهما وعراقيبهما.
فقال أنس: وكذب الحجاج قال الله تعالى " وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم " قال وكان أنس إذا مسح قدميه بلهما إسناد صحيح إليه. وقال ابن جرير: حدثنا علي بن سهل حدثنا مؤمل حدثنا حماد حدثنا عاصم الأحول عن أنس قال: نزل القرآن بالمسح والسنة بالغسل وهذا أيضا إسناد صحيح. وقال ابن جرير: حدثنا أبو كريب حدثنا محمد بن قيس الخراساني عن ابن جريج عن عمرو بن دينار عن عكرمة عن ابن عباس قال: الوضوء غسلتان ومسحتان وكذا روى سعيد بن أبي عروبة عن قتادة. وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا أبو معمر المنقري حدثنا عبد الوهاب حدثنا علي بن زيد عن يوسف بن مهران عن ابن عباس " وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين " قال هو المسح ثم قال: وروي عن ابن عمر وعلقمة وأبي جعفر - محمد بن علي - والحسن في إحدى الروايات وجابر بن زيد ومجاهد في إحدى الروايات نحوه وقال ابن جرير: حدثنا يعقوب حدثنا ابن علية حدثنا أيوب قال:
رأيت عكرمة يمسح على رجليه قال: وكان يقوله. وقال ابن جرير: حدثني أبو السائب حدثنا ابن إدريس عن داود بن أبي هند عن الشعبي قال: نزل جبريل بالمسح ثم قال الشعبي ألا ترى أن التيمم أن يمسح ما كان غسلا ويلغي ما كان مسحا. وحدثنا ابن أبي زياد حدثنا يزيد أخبرنا إسماعيل قلت لعامر إن ناسا يقولون إن جبريل نزل بغسل الرجلين فقال نزل جبريل بالمسح فهذه آثار غريبة جدا وهي محمولة على أن المراد بالمسح هو الغسل الخفيف لما سنذكره من السنة الثابتة في وجوب غسل الرجلين وإنما جاءت هذه القراءة بالخفض إما على المجاورة وتناسب الكلام كما في قول العرب جحر ضب خرب وكقوله تعالى " عليهم ثياب سندس خضر وإستبرق " وهذا سائغ ذائع في لغة العرب شائع ومنهم من قال هي محمولة على مسح القدمين إذا كان عليهما الخفان قاله أبو عبد الله الشافعي رحمه الله ومنهم من قال هي دالة على مسح الرجلين ولكن المراد بذلك الغسل الخفيف كما وردت به السنة وعلى كل تقدير فالواجب غسل الرجلين فرضا لا بد منه للآية والأحاديث التي سنوردها ومن أحسن ما يستدل به على أن المسح يطلق على الغسل الخفيف ما رواه الحافظ البيهقي حيث قال: أخبرنا أبو علي الروزبادي حدثنا أبو بكر محمد بن أحمد بن محوية العسكري حدثنا جعفر بن محمد القلانسي حدثنا آدم حدثنا شعبة حدثنا عبد الملك بن ميسرة سمعت النزال بن سبرة يحدث عن علي بن أبي طالب أنه صلى الظهر ثم قعد في حوائج الناس في رحبة الكوفة حتى حضرت صلاة العصر ثم أتى بكوز من ماء فأخذ منه حفنة واحدة فمسح بها وجهه ويديه ورأسه