ابن عمر هذا ومداومته على إسباغ الوضوء لكل صلاة دلالة على استحباب ذلك كما هو مذهب الجمهور.
وقال ابن جرير: حدثنا زكريا بن يحيى بن أبي زائدة حدثنا أزهر عن ابن عون عن ابن سيرين أن الخلفاء كانوا يتوضؤن لكل صلاة وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن المثنى حدثنا محمد بن جعفر حدثنا شعبة سمعت مسعود بن علي الشيباني سمعت عكرمة يقول كان علي رضي الله عنه يتوضأ عند كل صلاة ويقرأ هذه الآية " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة " الآية وحدثنا ابن المثنى حدثني وهب ابن جرير أخبرنا شعبة عن عبد الملك بن ميسرة عن النزال بن سبرة قال: رأيت عليا صلى الظهر ثم قعد للناس في الرحبة ثم أتى بماء فغسل وجهه ويديه ثم مسح برأسه ورجليه وقال هذا وضوء من لم يحدث. وحدثني يعقوب بن إبراهيم حدثنا هشيم عن مغيرة عن إبراهيم أن عليا اكتال من حب فتوضأ وضوءا فيه تجوز فقال هذا وضوء من لم يحدث. وهذه طرق جيدة عن علي يقوي بعضها بعضا.
وقال ابن جرير أيضا: حدثنا ابن يسار حدثنا ابن أبي عدي عن حميد عن أنس قال توضأ عمر بن الخطاب وضوءا فيه تجوز خفيفا فقال هذا وضوء من لم يحدث وهذا إسناد صحيح. وقال محمد بن سيرين: كان الخلفاء يتوضؤن لكل صلاة وأما ما رواه أبو داود الطيالسي عن أبي هلال عن قتادة عن سعيد بن المسيب أنه قال: الوضوء من غير حدث اعتداء فهو غريب عن سعيد بن المسيب ثم هو محمول على أن من اعتقد وجوبه فهو معتد وأما مشروعيته استحبابا فقد دلت السنة على ذلك وقال الإمام أحمد: حدثنا عبد الرحمن بن مهدي حدثنا سفيان عن عمرو بن عامر الأنصاري سمعت أنس بن مالك يقول كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ عند كل صلاة قال: قلت فأنتم كيف كنتم تصنعون؟ قال:
كنا نصلي الصلوات كلها بوضوء واحد ما لم نحدث وقد رواه البخاري وأهل السنن من غير وجه عن عمرو بن عامر به. وقال ابن جرير: حدثنا أبو سعيد البغدادي حدثنا إسحاق بن منصور عن هريم عن عبد الرحمن بن زياد هو الإفريقي عن عطيف عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " من توضأ على طهر كتب له عشر حسنات " ورواه أيضا من حديث عيسى بن يونس عن الإفريقي عن أبي عطيف عن ابن عمر فذكره وفيه قصة وهكذا رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة من حديث الإفريقي به نحوه وقال الترمذي وهو إسناد ضعيف.
وقال ابن جرير: وقد قال قوم إن هذه الآية نزلت إعلاما من الله أن الوضوء لا يجب إلا عند القيام إلى الصلاة دون غيرها من الأعمال وذلك لأنه عليه السلام كان إذا أحدث امتنع من الأعمال كلها حتى يتوضأ حدثنا أبو كريب حدثنا معاوية بن هشام عن سفيان عن جابر عن عبد الله بن أبي بكر بن عمرو بن حزم عن عبد الله بن علقمة بن وقاص عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراق البول لا نكلمه ولا يكلمنا ونسلم عليه فلا يرد علينا حتى نزلت آية الرخصة " يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة " الآية ورواه ابن أبي حاتم عن محمد بن مسلم عن أبي كريب به نحوه وهو حديث غريب جدا وجابر هذا هو ابن زيد الجعفي ضعفوه. وقال أبو داود حدثنا مسدد حدثنا إسماعيل حدثنا أيوب عن عبد الله بن أبي مليكة عن عبد الله بن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الخلاء فقدم إليه طعام فقالوا ألا نأتيك بوضوء فقال: " إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة " وكذا رواه الترمذي عن أحمد بن منيع والنسائي عن زياد بن أيوب عن إسماعيل وهو ابن علية به. وقال الترمذي: هذا حديث حسن وروى مسلم عن أبي بكر بن أبي شيبة عن سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن سعيد بن الحويرث عن ابن عباس قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم فأتى الخلاء ثم إنه رجع فأتي بطعام فقيل يا رسول الله ألا تتوضأ فقال " لم أصل فأتوضأ ". وقوله " فاغسلوا وجوهكم " قد استدل طائفة من العلماء بقوله تعالى " إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم " على وجوب النية في الوضوء لان تقدير الكلام إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم لها كما تقول العرب إذا رأيت الأمير فقم أي له وقد ثبت في الصحيحين حديث " الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " ويستحب قبل غسل الوجه أن يذكر اسم الله تعالى على وضوئه لما ورد في الحديث من طرق جيدة عن جماعة من الصحابة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " لا وضوء لمن لم