حديث روي مرسلا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " سنوا بهم سنة أهل الكتاب " ولكن لم يثبت بهذا اللفظ وإنما الذي في صحيح البخاري عن عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذ الجزية من مجوس هجر ولو سلم صحة هذا الحديث فعمومه مخصوص بمفهوم هذه الآية " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم " فدل بمفهومه مفهوم المخالفة على أن طعام من عداهم من أهل الأديان لا يحل وقوله تعالى " وطعامكم حل لهم " أي ويحل لكم أن تطعموهم من ذبائحهم وليس هذا إخبارا عن الحكم عندهم اللهم إلا أن يكون خبرا عما أمروا به من الاكل من كل طعام ذكر اسم الله عليه سواء كان من أهل ملتهم أو غيرها والأول أظهر في المعنى أي ولكم أن تطعموهم من ذبائحكم كما أكلتم من ذبائحهم وهذا من باب المكافأة والمقابلة والمجازاة كما ألبس النبي صلى الله عليه وسلم ثوبه لعبد الله بن أبي بن سلول حين مات ودفنه فيه قالوا لأنه كان قد كسا العباس حين قدم المدينة ثوبه فجازاه النبي صلى الله عليه وسلم ذلك فأما الحديث الذي فيه: " لا تصحب إلا مؤمنا ولا يأكل طعامك إلا تقي " فمحمول على الندب والاستحباب والله أعلم.
وقوله " والمحصنات من المؤمنات " أي وأحل لكم نكاح الحرائر العفائف من النساء المؤمنات وذكر هذا توطئة لما بعده وهو قوله تعالى " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " فقيل أراد بالمحصنات الحرائر دون الإماء حكاه ابن جرير عن مجاهد وإنما قال مجاهد المحصنات الحرائر فيحتمل أن يكون أراد ما حكاه عنه ويحتمل أن يكون أراد بالحرة العفيفة كما قال في الرواية الأخرى عنه وهو قول الجمهور ههنا وهو الأشبه لئلا يجتمع فيها أن تكون ذمية وهي مع ذلك غير عفيفة فيفسد حالها بالكلية ويتحصل زوجها على ما قيل في المثل: " حشفا وسوء كيلة " والظاهر من الآية أن المراد بالمحصنات العفيفات عن الزنا كما قال تعالى في الآية الأخرى " محصنات غير مسافحات ولا متخذات أخدان " ثم اختلف المفسرون والعلماء في قوله تعالى " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " هل يعم كل كتابية عفيفة سواء كانت حرة أو أمة حكاه ابن جرير عن طائفة من السلف ممن فسر المحصنة بالعفيفة وقيل المراد بأهل الكتاب ههنا الإسرائيليات وهو مذهب الشافعي وقيل المراد بذلك الذميات دون الحربيات لقوله " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر " الآية وقد كان عبد الله بن عمر لا يرى التزويج بالنصرانية ويقول لا أعلم شركا أعظم من أن تقول إن ربها عيسى وقد قال الله تعالى " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " الآية وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا محمد بن حاتم بن سليمان المؤدب حدثنا القاسم بن مالك يعني المزني حدثنا إسماعيل بن سميع عن أبي مالك الغفاري قال نزلت هذه الآية " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " قال: فحجز الناس عنهن حتى نزلت الآية التي بعدها " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " فنكح الناس نساء أهل الكتاب وقد تزوج جماعة من الصحابة من نساء النصارى ولم يروا بذلك بأسا أخذا بهذه الآية الكريمة " والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم " فجعلوا هذه مخصصة للتي في سورة البقرة " ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن " إن قيل بدخول الكتابيات في عمومها وإلا فلا معارضة بينها وبينها لان أصل الكتاب قد انفصلوا في ذكرهم عن المشركين في غير موضع كقوله تعالى " لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة " وكقوله " وقل للذين أوتوا الكتاب والأميين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا " الآية وقوله " إذا آتيتموهن أجورهن " أي مهورهن أي كما هن محصنات عفائف فابذلوا لهن المهور عن طيب نفس وقد أفتى جابر بن عبد الله وعامر الشعبي وإبراهيم النخعي والحسن البصري بأن الرجل إذا نكح امرأة فزنت قبل دخوله بها أنه يفرق بينهما وترد عليه ما بذل لها من المهر رواه ابن جرير عنهم.
وقوله " محصنين غير مسافحين ولا متخذي أخدان " فكما شرط الاحصان في النساء وهي العفة عن الزنا كذلك شرطها في الرجال وهو أن يكون الرجل محصنا عفيفا ولهذا قال غير مسافحين وهم الزناة الذين لا يرتدعون عن معصية ولا يردون أنفسهم عمن جاءهم ولا متخذي أخدان أي ذوي العشيقات الذين لا يفعلون إلا معهن كما تقدم في سورة النساء سواء ولهذا ذهب الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله إلى أنه لا يصح نكاح المرأة البغي حتى تتوب وما