قوله تعالى في سورة هود " خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد " وقد روى ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسير هذه الآية من طريق عبد الله بن صالح كاتب الليث: حدثني معاوية بن صالح عن علي بن أبي حاتم بن أبي طلحة عن ابن عباس قال " النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم " قال إن هذه الآية آية لا ينبغي لاحد أن يحكم على الله في خلقه ولا ينزلهم جنة ولا نارا.
وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا بما كانوا يكسبون (129) قال سعيد عن قتادة في تفسيرها إنما يولى الله الناس أعمالهم فالمؤمن ولي المؤمن أين كان وحيث كان والكافر ولي الكافر أينما كان وحيثما كان ليس الايمان بالتمني ولا بالتحلي واختاره ابن جرير وقال معمر عن قتادة في تفسير الآية يولي الله بعض الظالمين بعضا في النار يتبع بعضهم بعضا وقال: مالك بن دينار قرأت في الزبور إني أنتقم من المنافقين بالمنافقين ثم أنتقم من المنافقين جميعا وذلك في كتاب الله قول الله تعالى " وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا " وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم في قوله " وكذلك نولي بعض الظالمين بعضا " قال ظالمي الجن وظالمي الانس وقرأ " ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين " قال ونسلط ظلمة الجن على ظلمة الانس. وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة عبد الباقي بن أحمد من طريق سعيد بن عبد الجبار الكرابيسي عن حماد بن سلمة عن عاصم عن ذر عن ابن مسعود مرفوعا " من أعان ظالما سلطه الله عليه " وهذا حديث غريب وقال بعض الشعراء:
وما من يد إلا يد الله فوقها * ولا ظالم إلا سيبلى بظالم ومعنى الآية الكريمة كما ولينا هؤلاء الخاسرين من الانس تلك الطائفة التي أغوتهم من الجن كذلك نفعل بالظالمين نسلط بعضهم على بعض ونهلك بعضهم ببعض وننتقم من بعضهم ببعض جزاء على ظلمهم وبغيهم.
يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم يقصون عليكم آياتي وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا شهدنا على أنفسنا وغرتهم الحياة الدنيا وشهدوا على أنفسهم أنهم كانوا كافرين (130) وهذا أيضا مما يقرع الله به كافري الجن والإنس يوم القيامة حيث يسألهم وهو أعلم هل بلغتهم الرسل رسالاته وهذا استفهام تقرير " يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم " أي من جملتكم والرسل من الانس فقط وليس من الجن رسل كما قد نص على ذلك مجاهد وابن جريج وغير واحد من الأئمة من السلف والخلف وقال ابن عباس الرسل من بني آدم ومن الجن نذر. وحكى ابن جرير عن الضحاك بن مزاحم أنه زعم أن في الجن رسلا واحتج بهذه الآية الكريمة وفيه نظر لأنها محتملة وليست بصريحة وهي والله أعلم كقوله " مرج البحرين يلتقيان * بينهما برزخ لا يبغيان * فبأي آلاء ربكما تكذبان " إلى أن قال " يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان " ومعلوم أن اللؤلؤ والمرجان إنما يستخرجان من الملح لا من الحلو وهذا واضح ولله الحمد وقد ذكر هذا الجواب بعينه ابن جرير والدليل على أن الرسل إنما هم من الانس قوله تعالى " إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده - إلى قوله - رسلا مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل " وقوله تعالى عن إبراهيم " وجعلنا في ذريته النبوة والكتاب " فحصر النبوة والكتاب بعد إبراهيم في ذريته ولم يقل أحد من الناس أن النبوة كانت في الجن قبل إبراهيم الخليل ثم انقطعت عنهم ببعثته وقال تعالى " وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا أنهم ليأكلون الطعام ويمشون في الأسواق " وقال " وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم من أهل القرى "