وقال آخرون: هذا شئ كان واجبا ثم نسخه الله بالعشر أو نصف العشر حكاه ابن جرير عن ابن عباس ومحمد بن الحنفية وإبراهيم النخعي والحسن والسدي وعطية العوفي وغيرهم واختاره ابن جرير رحمه الله قلت: وفي تسمية هذا نسخا نظر لأنه فد كان شيئا واجبا في الأصل ثم إن فصل بيانه وبين مقدار المخرج وكميته قالوا وكان هذا في السنة الثانية من الهجرة فالله أعلم وقد ذم الله سبحانه الذين يصرمون ولا يتصدقون كما ذكر عن أصحاب الجنة في سورة " ن " " إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين ولا يستثنون * فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون * فأصبحت كالصريم " أي كالليل المدلهم سوداء محترقة " فتنادوا مصبحين * أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين * فانطلقوا وهم يتخافتون * أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين * وغدوا على حرد " أي قوة وجلد وهمة " قادرين * فلما رأوها قالوا إنا لضالون بل نحن محرومون * قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون * قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين * فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون * قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين * عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون * كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ".
وقوله تعالى " ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين " قيل معناه لا تسرفوا في الاعطاء فتعطوا فوق المعروف وقال أبو العالية: كانوا يعطون يوم الحصاد شيئا ثم تباروا فيه وأسرفوا فأنزل الله " ولا تسرفوا " وقال ابن جريج نزلت في ثابت بن قيس بن شماس جذ نخلا له فقال لا يأتيني اليوم أحد إلا أطعمته فأطعم حتى أمسى وليست له ثمرة فأنزل الله تعالى " ولا تسرفوا إنه لا يحب المسرفين " رواه ابن جرير عنه وقال ابن جريج عن عطاء نهوا عن السرف في كل شئ وقال إياس بن معاوية: ما جاوزت به أمر الله فهو سرف وقال السدي في قوله " ولا تسرفوا " قال لا تعطوا أموالكم فتقعدوا فقراء. وقال سعيد بن المسيب ومحمد بن كعب في قوله " ولا تسرفوا " قال لا تمنعوا الصدقة فتعصوا ربكم ثم اختار ابن جرير قول عطاء أنه نهى عن الاسراف في كل شئ ولا شك أنه صحيح لكن الظاهر والله أعلم من سياق الآية حيث قال تعالى " كلوا من ثمره إذا أثمر وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا " أن يكون عائدا على الاكل أي لا تسرفوا في الاكل لما فيه من مضرة العقل والبدن كقوله تعالى " كلوا واشربوا ولا تسرفوا " الآية وفي صحيح البخاري تعليقا " كلوا واشربوا والبسوا من غير إسراف ولا مخيلة " وهذا من هذا والله أعلم وقوله عز وجل " ومن الانعام حمولة وفرشا " أي وأنشأ لكم من الانعام ما هو حمولة وما هو فرش قيل المراد بالحمولة ما يحمل عليه من الإبل والفرش الصغار منها كما قال الثوري عن أبي إسحاق عن أبي الأحوص عن عبد الله في قوله حمولة ما حمل عليه من الإبل وفرشا الصغار من الإبل رواه الحاكم وقال صحيح الاسناد ولم يخرجاه. وقال ابن عباس: الحمولة هي الكبار والفرش الصغار من الإبل وكذا قال مجاهد. وقال علي بن أبي طلحة عن ابن عباس " ومن الانعام حمولة وفرشا " أما الحمولة فالإبل والخيل والبغال والحمير وكل شئ يحمل عليه وأما الفرش فالغنم واختاره ابن جرير قال: وأحسبه إنما سمي فرشا لدنوه من الأرض وقال الربيع بن أنس والحسن والضحاك وقتادة وغيره: الحمولة الإبل والبقر والفرش الغنم. وقال السدي: أما الحمولة فالإبل وأما الفرش فالفصلان والعجاجيل والغنم وما حمل عليه حمولة. وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: الحمولة ما تركبون والفرش ما تأكلون وتحلبون: شاة لا تحمل تأكلون لحمها وتتخذون من صوفها لحافا وفرشا. وهذا الذي قال عبد الرحمن في تفسير هذه الآية الكريمة حسن يشهد له قوله تعالى " أو لم يروا أنا خلقنا لهم مما عملت أيدينا أنعاما فهم لها مالكون * وذللناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون " وقال تعالى " وإن لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين " إلى أن قال " ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين " وقال تعالى " الله الذي جعل لكم الانعام لتركبوا منها ومنها تأكلون * ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون * ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون " وقوله تعالى " كلوا مما رزقكم الله " أي من الثمار