تعالى " فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين " ونفي هذا الأثر الادراك الخاص لا ينفي الرؤية يوم القيامة يتجلى لعباده المؤمنين كما يشاء فأما جلاله وعظمته على ما هو عليه تعالى وتقدس وتنزه فلا تدركه الابصار ولهذا كانت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها تثبت الرؤية في الدار الآخرة وتنفيها في الدنيا وتحتج بهذه الآية " لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار " فالذي نفته الادراك الذي هو بمعنى رؤية العظمة والجلال على ما هو عليه فإن ذلك غير ممكن للبشر ولا للملائكة ولا لشئ وقوله " وهو يدرك الابصار " أي يحيط بها ويعلمها على ما هي عليه لأنه خلقها كما قال تعالى " ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير " وقد يكون عبر بالابصار عن المبصرين كما قال السدي في قوله " لا تدركه الابصار وهو يدرك الابصار " لا يراه شئ وهو يرى الخلائق وقال أبو العالية في قوله تعالى " وهو اللطيف الخبير " قال اللطيف لاستخراجها الخبير بمكانها والله أعلم وهذا كما قال تعالى إخبارا عن لقمان فيما وعظ به ابنه " يا بني إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السماوات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير ".
قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمى فعليها وما أنا عليكم بحفيظ (104) وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون (105) البصائر هي البينات والحجج التي اشتمل عليها القرآن وما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم " فمن أبصر فلنفسه " كقوله " فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها " ولهذا قال " ومن عمي فعليها " لما ذكر البصائر قال " ومن عمي فعليها " أي إنما يعود وباله عليه كقوله " فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور " " وما أنا عليكم بحفيظ " أي بحافظ ولا رقيب بل إنما أنا مبلغ والله يهدي من يشاء ويضل من يشاء وقوله " وكذلك نصرف الآيات " أي وكما فصلنا الآيات في هذه السورة من بيان التوحيد وأنه لا إله إلا هو هكذا نوضح الآيات ونفسرها ونبينها في كل موطن لجهالة الجاهلين وليقول المشركون والكافرون المكذبون دارست يا محمد من قبلك من أهل الكتاب وقارأتهم وتعلمت منهم هكذا قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير والضحاك وغيرهم. وقال الطبراني حدثنا عبد الله بن أحمد حدثنا أبي حدثنا سفيان بن عيينة عن عمرو بن دينار عن عمرو بن كيسان قال سمعت ابن عباس يقول دارست تلوت خاصمت جادلت وهذا كقوله تعالى إخبارا عن كذبهم وعنادهم " وقال الذين كفروا إن هذا إلا إفك افتراه وأعانه عليه قوم آخرون فقد جاءوا ظلما وزورا وقالوا أساطير الأولين اكتتبها " الآية وقال تعالى إخبارا عن زعيمهم وكاذبهم " إنه فكر وقدر * فقتل كيف قدر * ثم قتل كيف قدر * ثم نظر * ثم عبس وبسر * ثم أدبر واستكبر * فقال إن هذا إلا سحر يؤثر * إن هذا إلا قول البشر " وقوله " ولنبينه لقوم يعلمون " أي ولنوضحه لقوم يعلمون الحق فيتبعونه والباطل فيجتنبونه فلله تعالى الحكمة البالغة في إضلال أولئك وبيان الحق لهؤلاء كقوله تعالى " يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا " الآية. وكقوله " ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم " وقال تعالى " وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا * كذلك يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو " وقال " وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا " وقال تعالى " قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد " إلى غير ذلك من الآيات الدالة على أنه تعالى أنزل القرآن هدى للمتقين وأنه يضل به من يشاء ويهدي به من يشاء ولهذا قال ههنا " وكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم يعلمون " وقرأ