قال: أجد في نفسي أن ربي رب السماوات والأرض، فقاموا جميعا فقالوا: ربنا رب السماوات والأرض، فأجمعوا أن يدخلوا الكهف، فدخلوا، فلبثوا ما شاء الله، هذا قول مجاهد. وقال قتادة: كانوا أبناء ملوك الروم، فتفردوا بدينهم في الكهف، فضرب الله على آذانهم.
فصل فأما سبب بعث أصحاب الكهف من نومهم، فقال عكرمة: جاءت أمة مسلمة، وكان ملكهم مسلما، فاختلفوا في الروح والجسد، فقال قائل: يبعث الروح والجسد. وقال قائل: يبعث الروح وحده، والجسد تأكله الأرض فلا يكون شيئا، فشق اختلافهم على الملك، فانطلق فلبس المسوح، وقعد على الرماد، ودعا الله أن يبعث لهم آية تبين لهم، فبعث الله أصحاب الكهف.
قال وهب ابن منبه: جاء راع قد أدركه المطر إلى الكهف، فقال: لو فتحت هذا الكهف، وأدخلته غنمي من المطر، فلم يزل يعالجه حتى فتحه، ورد الله إليهم أرواحهم حين أصبحوا من الغد. وقال ابن السائب: احتاج صاحب الأرض التي فيها الكهف أن يبني حظيرة لغنمه، فهدم ذلك السد، فبنى به، فانفتح باب الكهف. وقال ابن إسحاق: ألقى الله في نفس رجل من أهل البلد أن يهدم البنيان فيبني به حظيرة لغنمه، فاستأجر عاملين ينزعان تلك الحجارة، فنزعاها، وفتحا باب الكهف، فجلسوا فرحين، فسلم بعضهم على بعض لا يرون في وجوههم ولا أجسادهم شيئا يكرهونه، إنما هم كهيئتهم حيث رقدوا وهم يرون أن ملكهم في طلبهم، فصلوا، وقالوا ليمليخا صاحب نفقتهم:
انطلق فاستمع، ما نذكر به، وابتع لنا طعاما، فوضع ثيابه، وأخذ الثياب التي كان يتنكر فيها، وخرج فرأى الحجارة قد نزعت عن باب الكهف، فعجب، ثم مر مستخفيا متخوفا أن يراه أحد فيذهب به إلى الملك، فلما رأى باب المدينة رأى عليه علامة تكون لأهل الإيمان، وخيل إليه أنها ليست بالمدينة التي يعرف، ورأى ناسا لا يعرفهم، فجعل يتعجب ويقول: لعلي نائم; فلما دخلها رأى قوما يحلفون باسم عيسى، فقام مسندا ظهره إلى جدار، وقال في نفسه: والله ما أدري ما هذا، عشية أمس لم يكن على الأرض من يذكر عيسى إلا قتل، واليوم أسمعهم يذكرونه، لعل هذه ليست المدينة التي اعرف، والله ما أعرف مدينة قرب مدينتنا فقام كالحيران، وأخرج ورقا فأعطاه رجلا وقال: بعني طعاما، فنظر الرجل إلى نقشه فعجب، ثم ألقاه إلى آخر، فجعلوا يتطارحونه بينهم، ويتعجبون، ويتشاورون، وقالوا: إن هذا قد أصاب كنزا، ففرق منهم، وظنهم قد عرفوه، فقال: أمسكوا طعامكم فلا حاجة بي إليه، فقالوا له: من أنت يا فتى؟ والله لقد وجدت كنزا وأنت تريد أن تخفيه، شاركنا فيه وإلا أتينا بك إلى السلطان فيقتلك، فلم يدر ما يقول، فطرحوا كساءه في عنقه وهو يبكي ويقول: فرق بيني وبين إخوتي يا ليتهم يعلمون ما لقيت، فأتوا به إلى رجلين كانا يدبران أمر المدينة، فقالا: أين الكنز الذي وجدت؟ قال: ما وجدت كنزا، ولكن هذه ورق آبائي،