والثالث: أن معنى * (مبصرة) * مبصرة، فجرى " مفعل "، مجرى " مفعل "، والمعنى: أنها تبصر الناس، أي: تريهم الأشياء، قاله ابن الأنباري. ومعاني الأقوال تتقارب.
قوله تعالى: * (لتبتغوا فضلا من ربكم) * أي: لتبصروا كيف تتصرفون في أعمالكم وتطلبون رزقكم بالنهار * (ولتعلموا عدد السنين والحساب) * بمحو آية الليل، ولولا ذلك، لم يعرف الليل من النهار، ولم يتبين العدد. * (وكل شئ) * أي: ما يحتاج إليه، * (فصلناه تفصيلا) * بيناه تبيينا لا يلتبس معه بغيره.
وكل إنسان ألزمنا طائره في عنقه ونخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه منشورا " 13 " اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا " 14 " قوله تعالى: * (وكل إنسان) * وقرأ ابن أبي عبلة " وكل " برفع وقرأ ابن مسعود، وأبي، والحسن * (ألزمناه طيره) * بياء ساكنة من غير ألف.
وفي الطائر أربعة أقوال:
أحدها: شقاوته وسعادته، قاله أبو صالح عن ابن عباس. قال مجاهد: ما من مولود يولد إلا وفي عنقه ورقة مكتوب فيها شقي، أو سعيد.
والثاني: عمله، قاله الفراء، وعن الحسن كالقولين.
والثالث: أنه ما يصيبه، قاله خصيف. وقال أبو عبيدة: حظه.
قال ابن قتيبة: والمعنى فيما أرى - والله أعلم -: أن لكل امرئ حظا من الخير والشر قد قضاه الله، فهو لازم عنقه، والعرب تقول لكل ما لزم الإنسان: قد لزم عنقه، وهذا لك علي وفي عنقي حتى أخرج منه، وإنما قيل للحظ من الخير والشر: " طائر "، لقول العرب: جرى له الطائر بكذا من الخير، وجرى له الطائر بكذا من الشر، على طريق الفأل والطيرة، فخاطبهم الله بما يستعملون، وأعلمهم أن ذلك الأمر الذي يجعلونه بالطائر، هو الذي يلزمه أعناقهم.
وقال الأزهري: الأصل في هذا أن الله تعالى لما خلق آدم، علم المطيع من ذريته، والعاصي، فكتب ما علمه منهم أجمعين، وقضى سعادة من علمه مطيعا، وشقاوة من علمه عاصيا، فصار لكل منهم ما هو صائر إليه عند خلقه وإنشائه، فذلك قوله: * (ألزمناه طائره في عنقه) *.
والرابع: أنه ما يتطير من مثله من شئ عمله، وذكر العنق عبارة عن اللزوم له، كلزوم القلادة العنق من بين ما يلبس، هذا قول الزجاج. وقال ابن الأنباري: الأصل في تسميتهم العمل طائرا،