وأعلم أن المشركين كانوا قد تحيروا في أمر رسول الله [صلى الله عليه وسلم]، فاختلفت أقوالهم فيه، فبعضهم يقول: هذا الذي يأتي به سحر، وبعضهم يقول: أضغاث أحلام، وهي الأشياء المختلطة ترى في المنام; وقد شرحناها في يوسف، وبعضهم يقول: افتراه، أي: اختلقه، وبعضهم يقول: هو شاعر فليأتنا بآية كالناقة والعصا، فاقترحوا الآيات التي لا إمهال بعدها.
قوله تعالى: * (ما آمنت قبلهم) * يعني: مشركي مكة * (من قرية) * وصف القرية، والمراد أهلها، والمعنى: أن الأمم التي أهلكت بتكذيب الآيات، لم يؤمنوا بالآيات لما أتتهم، فكيف يؤمن هؤلاء؟! وهذه إشارة إلى أن الآية لا تكون سببا للإيمان، إلا أن يشاء الله.
قوله تعالى: * (وما أرسلنا قبلك إلا رجالا) * هذا جواب قولهم: " هل هذا إلا بشر مثلكم ".
قوله تعالى: * (نوحي إليهم) * قرأ الأكثرون: " يوحى " بالياء. وروى حفص عن عاصم:
" نوحي " بالنون. وقد شرحناه هذه الآية في النحل.
قوله تعالى: * (وما جعلناهم) * يعني: الرسل * (جسدا) * قال الفراء: لم يقل: أجسادا، لأنه اسم الجنس. قال مجاهد: وما جعلناهم جسدا ليس فيهم روح. قال ابن قتيبة: ما جعلنا الأنبياء قبله أجسادا لا تأكل الطعام ولا تموت فنجعله كذلك. قال المبرد وثعلب جميعا: العرب إذا جاءت بين الكلام بجحدين، كان الكلام إخبارا، فمعنى الآية: إنما جعلناهم جسدا ليأكلوا الطعام. قال قتادة:
المعنى: وما جعلناهم جسدا إلا ليأكلوا الطعام.
قوله تعالى: * (ثم صدقناهم الوعد) * يعني: الأنبياء أنجزنا وعدهم الذي وعدناهم بإنجائهم وإهلاك مكذبيهم * (فأنجيناهم ومن نشاء) * وهم الذين صدقوهم * (وأهلكنا المسرفين) * يعني: أهل الشرك; وهذا تخويف لأهل مكة. ثم ذكر منته عليهم بالقرآن فقال: * (لقد أنزلناه إليكم كتابا فيه ذكركم) *، وفيه ثلاثة أقوال:
أحدها: فيه شرفكم، قاله أبو صالح عن ابن عباس.
والثاني: فيه دينكم، قاله الحسن، يعني: فيه تحتاجون إليه من أمر دينكم.
والثالث: فيه تذكرة لكم لما تلقونه من رجعة أو عذاب، قاله الزجاج.
قوله تعالى: * (أفلا تعقلون) * ما فضلتكم به على غيركم.
وكم قصمنا من قرية كانت ظالمة وأنشأنا بعدها قوما آخرين " 11 " فلما أحسوا