" نكسوا " بفتح النون والكاف مخففة. قال أبو عبيدة: " نكسوا ": قلبوا، تقول: نكست فلانا على رأسه; إذا قهرته وعلوته.
ثم في المراد بهذا الانقلاب ثلاثة أقوال.
أحدها: أدركتهم حيرة، فقالوا: * (لقد علمت ما هؤلاء ينطقون) *، قاله قتادة.
والثاني: رجعوا إلى أول ما كانوا يعرفونها به من أنها لا تنطق، قاله ابن قتيبة.
والثالث: انقلبوا على إبراهيم يحتجون عليه بعد أن أقروا به ولاموا أنفسهم في تهمته، قاله أبو سليمان. وفي قوله تعالى: * (لقد علمت) * إضمار " قالوا "، وفي هذا إقرار منهم بعجز ما يعبدونه عن النطق، فحينئذ توجهت لإبراهيم الحجة، فقال موبخا لهم: * (أفتعبدون من دون الله ما لا ينفعكم) * أي: لا يرزقكم ولا يعطيكم شيئا * (ولا يضركم) * إذا لم تعبدوه، وفي هذا حث لهم على عبادة من يملك النفع والضر، * (أف لكم) * قال الزجاج: معناه: النتن لكم; فلما ألزمهم الحجة غضبوا، فقالوا: * (حرقوه) *. وذكر في التفسير ان نمرود استشارهم، بأي عذاب أعذبه، فقال رجل:
حرقوه، فخسف الله به الأرض، فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.
قالوا حرقوه وانصروا آلهتكم إن كنتم فاعلين " 68 " قلنا يا نار كوني بردا وسلاما على إبراهيم " 69 " وأرادوا به كيدا فجعلناهم الأخسرين " 70 " ونجيناه ولوطا إلى الأرض التي باركنا فيها للعالمين " 71 " ووهبنا له إسحاق ويعقوب نافلة وكلا جعلنا صالحين " 73 " وجعلناهم أئمة يهدون بأمرنا وأوحينا إليهم فعل الخيرات وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وكانوا لنا عابدين " 74 " قوله تعالى: * (وانصروا آلهتكم) * أي: بتحريقه، لأنه يعيبها * (إن كنتم فاعلين) * أي:
ناصريها.
الإشارة إلى القصة ذكر أهل التفسير أنهم حبسوا إبراهيم عليه السلام في بيت ثم بنوا له حيرا طول جداره ستون ذراعا إلى سفح جبل منيف، ونادى منادي الملك: أيها الناس احتطبوا لإبراهيم، ولا يتخلفن عن ذلك صغير ولا كبير، فمن تخلف ألقي في تلك النار، ففعلوا ذلك أربعين ليلة، حتى إن كانت