قوله تعالى: * (فقالوا ربنا آتنا من لدنك) * أي: من عندك * (رحمة) * أي: رزقا * (وهيئ لنا) * أي: أصلح لنا * (من أمرنا رشدا) * أي: أرشدنا إلى ما يقربنا منك. والمعنى: هيئ لنا من أمرنا ما نصيب به الرشد. والرشد والرشد، والرشاد: نقيض الضلالة.
تلخيص قصة أصحاب الكهف اختلف العلماء في بدو أمرهم، وسبب مصيرهم إلى الكهف، على ثلاثة أقوال:
أحدها: أنهم هربوا ليلا من ملكهم حين دعاهم إلى عبادة الأصنام، فمروا براع له كلب، فتبعهم على دينهم، فأووا إلى الكهف يتعبدون، ورجل منهم يبتاع لهم أرزاقهم من المدينة، إلى أن جاءهم يوما فأخبرهم أنهم قد ذكروا، فبكوا وتعوذوا بالله تعالى من الفتنة، فضرب الله [تعالى] على آذانهم، وأمر الملك فسد عليهم الكهف، وهو يظنهم أيقاظا، وقد توفى الله أرواحهم وفاة النوم، وكلبهم قد غشيه ما غشيهم. ثم إن الرجلين مؤمنين يكتمان إيمانهما كتبا أسماءهم وأنسابهم وخبرهم في لوح من رصاص، وجعلاه في تابوت من نحاس في البنيان، وقالا: لعل الله يطلع عليهم قوما مؤمنين، فيعلمون خبرهم، هذا قول ابن عباس. وقال عبيد بن عمير: فقدهم قومهم فطلبوهم، فعمى الله عليهم أمرهم، فكتبوا أسماءهم وأنسابهم في لوح: فلان وفلان أبناء ملوكنا فقدناهم في شهر كذا، في سنة كذا، في مملكة فلان، ووضعوا اللوح في خزانة الملك، وقالوا: ليكونن لهذا شأن.
والثاني: أن أحد الحواريين جاء إلى مدينة أصحاب الكهف، فأراد أن يدخلها، فقيل له: إن على بابها صنما لا يدخلها أحد إلا سجد له، فكره أن يدخلها، فأتى حماما قريبا من المدينة، فكان يعمل فيه بالأجر، وعلقه فتية من أهل المدينة، فجعل يخبرهم عن خبر السماء والأرض، وخبر الآخرة، فآمنوا به وصدقوه، حتى جاء ابن الملك يوما بامرأة، فدخل معها الحمام، فأنكر عليه الحواري ذلك، فسبه ودخل، فمات وماتت المرأة في الحمام، فأتى الملك، فقيل له: إن صاحب الحمام قتل ابنك، فالتمس فهرب، فقال: من كان يصحبه؟ فسمي له الفتية، فالتمسوا فخرجوا من المدينة، فمروا على صاحب لهم في زرع، وهو على مثل أمرهم، فانطلق معهم ومعه كلب حتى آواهم الليل إلى الكهف، فدخلوه فقالوا: نبيت هاهنا، ثم نصبح إن شاء الله فترون رأيكم، فضرب الله على آذانهم فناموا; وخرج الملك، وأصحابه يتبعونهم، فوجدوهم قد دخلوا الكهف، فكلما أراد رجل أن يدخل الكهف أرعب، فقال قائل للملك: أليس قلت: إن قدرت عليهم قتلتهم؟ قال: بلى، فابن عليهم باب الكهف حتى يموتوا جوعا وعطشا، ففعل، هذا قول وهب بن منبه.
والثالث: أنهم كانوا أبناء عظماء المدينة وأشرافهم، خرجوا فاجتمعوا وراء المدينة على غير ميعاد، فقال رجل منهم: هو أسنهم: إني لأجد في نفسي شيئا ما أظن أحدا يجده، فقالوا: ما تجد؟