قال ابن الأنباري: إن قيل: لم قال: " موبقا " ولم يقل: " موبقا "، بضم الميم، إذ كان معناه عذابا موبقا؟
فالجواب: أنه اسم موضوع لمحبس في النار، والأسماء لا تؤخذ بالقياس، فيعلم ان " موبقا ":
مفعل، من أوبقه الله: إذا أهلكه، فتفتح [ميمه] كما تنفتح في موعد ومولد ومحتد إذا سميت الشخوص بهن.
قوله تعالى: * (ورأى المجرمون النار) * أي: عاينوها وهي تتغيظ حنقا عليهم. والمراد بالمجرمين: الكفار. * (فظنوا) * أي: أيقنوا * (أنهم مواقعوها) * أي: داخلوها. ومعنى المواقعة:
ملابسة الشئ بشدة * (ولم يجدوا عنها مصرفا) * أي: معدلا; والمصرف: الموضع الذي يصرف إليه، وذلك أنها أحاطت بهم من كل جانب، فلم يقدروا على الهرب.
ولقد صرفنا في هذا القرآن للناس من كل مثل وكان الإنسان أكثر شئ جدلا " 54 " وما منع الناس أن يؤمنوا إذ جاءهم الهدى ويستغفروا ربهم إلا أن تأتيهم سنة الأولين أو يأتيهم العذاب قبلا " 55 " قوله تعالى: * (ولقد صرفنا في هذا القرآن) * قد فسرناه في [سورة] بني إسرائيل.
قوله تعالى: * (وكان الإنسان أكثر شئ جدلا) * فيمن نزلت قولان:
أحدهما: أنه النضر بن الحارث، وكان جداله في القرآن، قاله ابن عباس.
والثاني: أبي بن خلف، وكان جداله في البعث حين أتى بعظم قد رم، فقال: أيقدر الله على إعادة هذا؟! قاله ابن السائب. قال الزجاج: كل ما يعقل من الملائكة والجن يجادل، والإنسان أكثر هذه الأشياء جدلا.
قوله تعالى: * (وما منع الناس يؤمنوا) * قال المفسرون: يعني: أهل مكة * (إذ جاءهم الهدى) * وهو: محمد صلى الله عليه وسلم، والقرآن، والإسلام * (إلا تأتيهم سنة الأولين) * وهو: أنهم إذا لم يؤمنوا عذبوا.
وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال:
أحدها: ما منعهم من الإيمان إلا طلب أن تأتيهم سنة الأولين، قاله الرجاج.