والقول الثاني: أنه كان نبيا، قاله الحسن، وعطاء. قال عطاء: أوحى الله تعالى إلى نبي من الأنبياء: إني أريد قبض روحك، فاعرض ملكك على بني إسرائيل، فمن تكفل لك بأنه يصلي الليل لا يفتر، ويصوم النهار لا يفطر، ويقضي بين الناس ولا يغضب، فادفع ملكك إليه، ففعل ذلك، فقام شاب فقال: أنا أتكفل لك بهذا، فتكفل به، فوفى فشكر الله له ذلك، ونبأه، وسمي: ذا الكفل. وقد ذكر الثعلبي حديث ابن عمر عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] في الكفل: " أنه كان رجلا لا ينزع عن ذنب، وأنه خلا بامرأة ليفجر بها، فبكت، وقالت: ما فعلت هذا قط، فقام عنها تائبا، ومات من ليلته، فأصبح مكتوبا على بابه: قد غفر الله للكفل ": والحديث معروف، وقد ذكرته في " الحدائق "، فجعله الثعلبي أحد الوجوه في بيان ذي الكفل، وهذا غلط، لأن ذلك اسمه الكفل، والمذكور في القرآن: ذو الكفل، ولأن الكفل مات في ليلته التي تاب فيها، فلم يمض عليه زمان طويل يعالج فيه الصبر عن الخطايا. وإذا قلنا: إنه نبي، فإن الأنبياء معصومون عن مثل هذا الحال. وذكرت هذا لشيخنا أبي الفضل بن ناصر، فوافقني، وقال: ليس هذا بذاك.
قوله تعالى: * (كل من الصابرين) * أي: على طاعة الله وترك معصيته، * (وأدخلناهم في رحمتنا) * في هذه الرحمة ثلاثة أقوال:
أحدها: أنها الجنة، قاله ابن عباس.
والثاني: النبوة، قاله مقاتل.
والثالث: النعمة والموالاة، حكاها أبو سليمان الدمشقي.
وذا النون إذهب مغاضبا فظن أن لن نقدر عليه فنادى في الظلمات أن لا إله إلا أنت سبحانك إني كنت من الظالمين " 87 " فاستجبنا له ونجيناه من الغم وكذلك ننجي المؤمنين " 88 " قوله تعالى: * (وذا النون) * يعني: يونس بن متى. والنون: السمكة; أضيف إليها لابتلاعها إياه.
قوله تعالى: * (إذ ذهب مغاضبا) * قال ابن قتيبة: المغاضبة: مفاعلة، وأكثر المفاعلة من اثنين، كالمناظرة والمجادلة والمخاصمة، وربما تكون من واحد، كقولك: سافرت، وشارفت الأمر، وهي هاهنا من هذا الباب. وقرأ أبو المتوكل، وأبو الجوزاء، وعاصم الجحدري، وابن السميفع: " مغضبا " بإسكان الغين وفتح الضاد من غير ألف.
واختلفوا في مغاضبته بكر لمن كانت؟ على قولين: