لفظة " كل " يشار بها إلى سائر ما تقدم ذكره. وكان أبو عمرو لا يرى هذه القراءة. قال الزجاج: وهذا غلط من أبي عمرو، لأن في هذه الأقاصيص سيئا وحسنا، وذلك أن فيها الأمر ببر الوالدين، وإيتاء ذي القربى، والوفاء بالعهد، ونحو ذلك، فهذه القراءة أحسن من قراءة من نصب السيئة، وكذلك قال أبو عبيدة: تدبرت الآيات من قوله [تعالى]: * (وقضى ربك...) * فوجدت فيها أمورا حسنة.
وقال أبو علي: من قرأ " سيئة " رأى أن الكلام انقطع عند قوله [تعالى]: * (وأحسن تأويلا) *، وأن قوله: * (ولا تقف) * لا حسن فيه.
قوله تعالى: * (ذلك مما أوحى إليك ربك) * يشير إلى ما تقدم من الفرائض والسنن، * (من الحكمة) *، أي: من الأمور المحكمة والأدب الجامع لكل خير. وقد سبق معنى " المدحور " أفأصفاكم ربكم بالبنين واتخذ من الملائكة إناثا إنكم لتقولون قولا عظيما " 40 " قوله تعالى: * (أفأصفاكم ربكم بالبنين) * قال مقاتل: نزلت في مشركي العرب الذين قالوا:
الملائكة بنات الرحمن. وقال أبو عبيدة: ومعنى * (أفأصفاكم) *: اختصكم. وقال المفضل:
أخلصكم. وقال الزجاج: اختار لكم صفوة الشئ، وهذا توبيخ للكفار، والمعنى: اختار لكم البنين دونه، وجعل البنات مشتركة بينكم وبينه، فاختصكم بالأعلى وجعل لنفسه الأدون؟!
ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا وما يزيدهم إلا نفورا " 41 " قوله تعالى: * (ولقد صرفنا) * معنى التصريف هاهنا: التبيين، وذلك أنه إنما يصرف القول ليبين. وقال ابن قتيبة: " صرفنا " بمعنى: وجهنا، وهو من قولك: صرفت إليك كذا، أي: عدلت به إليك، وشدد للتكثير، كما تقول: فتحت الأبواب.
قوله تعالى: * (ليذكروا) * قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وعاصم وابن عامر: " ليذكروا " مشددا. وقرأ حمزة، والكسائي، وخلف: " ليذكروا " مخففا، وكذلك قرؤوا في الفرقان:
والتذكر: الاتعاظ والتدبر. * (وما يزيدهم) * تصريفنا وتذكيرنا * (إلا نفورا) * قال ابن عباس: ينفرون من الحق، ويتبعون الباطل.