وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس والشجرة الملعونة في القرآن ونخوفهم فما يزيدهم إلا طغيانا كبيرا " 60 " قوله تعالى: * (وإذ قلنا لك إن ربك أحاط بالناس) * فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أحاط علمه بالناس، قاله أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال الربيع بن أنس. وقال مقاتل: أحاط علمه بالناس، يعني: أهل مكة، أن يفتحها لرسوله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أحاطت قدرته بالناس، فهم في قبضته، قاله مجاهد.
والثالث: حال بينك وبين الناس أن يقتلوك، لتبلغ رسالته، قاله الحسن، وقتادة.
قوله تعالى: * (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) * في هذه الرؤيا قولان:
أحدهما: أنها رؤيا عين، وهي ما رأى ليلة أسري به من العجائب والآيات. روى عكرمة عن ابن عباس قال: هي رؤيا ليلة أسري به، وإلى هذا المعنى ذهب الحسن، وسعيد بن جبير، ومجاهد، وعكرمة، ومسروق، والنخعي، وقتادة، وأبو مالك، وأبو صالح، وابن جريج، وابن زيد في آخرين. فعلى هذا يكون معنى الفتنة: الاختبار، فإن قوما آمنوا بما قال، وقوما كفروا. قال ابن الأنباري: المختار في هذه الرؤية أن تكون يقظة، ولا فرق بين أن يقول القائل: رأيت فلانا رؤية، ورأيته رؤيا، إلا أن الرؤية يقل استعمالها في المنام، والرؤيا يكثر استعمالها في المنام، ويجوز كل واحد منهما في المعنيين.
والثاني: أنها رؤيا منام. ثم فيها قولان:
أحدهما: أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] كان قد أرى أنه يدخل مكة، هو وأصحابه، وهو يومئذ بالمدينة، فعجل قبل الأجل، فرده المشركون، فقال أناس: قد رد، وكان حدثنا أنه سيدخلها، فكان رجوعهم فتنتهم، رواه العوفي عن ابن عباس. وهذا لا ينافي حديث المعراج، لأن هذا كان بالمدينة، والمعراج كان بمكة: قال أبو سليمان الدمشقي: وإنما ذكره ابن عباس على وجه الزيادة في الإخبار لنا أن المشركين بمكة افتتنوا برؤيا عينه، والمنافقين بالمدينة افتتنوا برؤيا نومه.
والثاني: أنه أري بني أمية على المنابر، فساءه ذلك، فقيل له: إنها الدنيا يعطونها، فسري عنه. فالفتنة هاهنا: البلاء، رواه علي بن زيد بن جدعان عن سعيد بن المسيب، وإن كان مثل هذا لا يصح، ولكن قد ذكره عامة المفسرين.