أحدهما: أنها اليهود، قاله الأكثرون.
والثاني: أنهم جميع الخلق، علمهم قليل بالإضافة إلى علم الله عز وجل، ذكره الماوردي.
فإن قيل: كيف الجمع بين هذه الآية، وبين قوله تعالى: * (ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا) *؟
فالجواب: أن ما أوتيه الناس من العلم، وإن كان كثيرا، فهو بالإضافة إلى علم الله قليل.
ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك ثم لا تجد لك به علينا وكيلا " 86 " إلا رحمة من ربك إن فضله كان عليك كبيرا " 87 " قوله تعالى: * (ولئن شئنا لنذهبن بالذي أوحينا إليك) * قال الزجاج: المعنى: لو شئنا لمحوناه من القلوب والكتب، حتى لا يوجد له أثر، * (ثم لا تجد لك به علينا وكيلا) * أي لا تجد من يتوكل عليه في رد شئ منه، * (إلا رحمة من ربك) * هذا استثناء ليس من الأول، والمعنى: لكن الله رحمك فأثبت ذلك في قلبك وقلوب المؤمنين. وقال ابن الأنباري: المعنى: لكن رحمة من ربك تمنع من أن تسلب القرآن، وكان المشركون قد خاطبوا نساءهم من المسلمين في الرجوع إلى دين آبائهم، فهددهم الله عز وجل بسلب النعمة، فكان ظاهر الخطاب للرسول، ومعنى التهدد للأمة.
وقال أبو سليمان: " ثم لا تجد لك به " أي: بما نفعله بك، من إذهاب ما عندك " وكيلا " يدفعنا عما نريده بك. وروي عن عبد الله بن مسعود أنه قال: يسرى على القرآن في ليلة واحدة، فيجئ جبريل من جوف الليل، فيذهب به من صدورهم ومن بيوتهم، فيصبحون لا يقرؤون آية، ولا يحسنونها. ورد أبو سليمان الدمشقي صحة هذا الحديث بقوله عليه الصلاة والسلام: " إن الله لا يقبض العلم انتزاعا " وحديث ابن مسعود مروي من طرق حسان، فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أراد بالعلم ما سوى القرآن، فإن العلم ما يزال ينقرض حتى يكون رفع القرآن آخر الأمر.
قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا " 88 "