ونقش هذه المدينة وضربها، ولكن والله ما أدري ما شأني، ولا ما أقول لكم، قال مجاهد: كان ورق أصحاب الكهف مثل أخفاف الإبل، فقالوا: من أنت، وما اسم أبيك؟ فأخبرهم، فلم يجدوا من يعرفه، فقال له أحدهما: أتظن أنك تسخر منا وخزائن هذه البلدة بأيدينا، وليس عندنا من هذا الضرب درهم ولا دينار؟! إني سآمر بك فتعذب عذابا شديدا ثم قال أوثقك حتى تعترف بهذا الكنز، فقال يمليخا: أنبئوني عن شئ أسألكم عنه، فإن فعلتم صدقتكم، قالوا: سل، قال ما فعل الملك دقيانوس؟ قالوا: لا نعرف اليوم على وجه الأرض ملكا يسمى دقيانوس، وإنما هذا ملك كان منذ زمان طويل، وهلكت بعده قرون كثيرة، فقال: والله ما يصدقني أحد بما أقوله، لقد كنا فتية، وأكرهنا الملك على عبادة الأوثان والذبح للطواغيت فهربنا منه عشية أمس فنمنا، فلما انتبهنا خرجت أشتري لأصحابي طعاما، فإذا أنا كما ترون، فانطلقوا معي إلى الكهف أريكم أصحابي، فانطلقوا معه وسائر أهل المدينة، وكان أصحابه قد ظنوا لإبطائه عليهم أنه قد أخذ، فبينما هم يتخوفون ذلك، إذ سمعوا الأصوات وجلبة الخيل، فظنوا أنهم رسل دقيانوس، فقاموا إلى الصلاة، وسلم بعضهم على بعض، فسبق يمليخا إليهم وهو يبكي، فبكوا معه، وسألوه عن شأنه، فأخبرهم خبره، وقص عليهم النبأ كله، فعرفوا أنهم كانوا نياما بأمر الله تعالى، وأنما أوقظوا ليكونوا آية للناس، وتصديقا للبعث، ونظر الناس إلى المسطور الذي فيه أسماؤهم وقصتهم، فعجبوا، وأرسلوا إلى ملكهم فجاء، واعتنق القوم، وبكى، فقالوا له: نستودعك الله ونقرأ عليك السلام، حفظك الله، وحفظ ملكك، فبينا الملك قائم رجعوا إلى مضاجعهم، وتوفى الله عز وجل أنفسهم، فأمر الملك أن يجعل لكل واحد منهم تابوت من ذهب، فلما أمسوا رآهم في المنام، فقالوا: إنا لم نخلق من ذهب وفضة، ولكن خلقنا من تراب، فاتركنا كما كنا في الكهف على التراب حتى يبعثنا الله عز وجل منه، وحجبهم الله عز وجل حين خرجوا من عندهم بالذهب، فلم يقدر أحد أن يدخل عليهم، وأمر الملك فجعل على باب الكهف مسجد يصلى فيه، وجعل لهم عيدا عظيما يؤتى كل سنة، وقيل: إنه لما جاء يمليخا ومعه الناس، قال: دعوني أدخل على أصحابي فأبشرهم، فإنهم إن رأوكم معي أرعبتموهم، فدخل فبشرهم، وقبض الله روحه وأرواحهم، فدخل الناس، فإذا أجساد لا ينكرون منها شيئا، غير أنها لا أرواح فيها، فقال الملك: هذه آية بعثها الله لكم.
قوله تعالى: * (فضربنا على آذانهم) * قال الزجاج: المعنى: أنمناهم ومنعناهم السمع، لأن النائم إذا سمع انتبه. و * (عددا) * منصوب على ضربين:
أحدها: على المصدر، المعنى: تعد عددا.
والثاني: أن يكون نعتا للسنين، المعنى: سنين ذات عدد، والفائدة في ذكر العدد في الشئ